كيف اختار رفيق الدرب؟!

أروى العلي

سؤال يؤرق كل الشباب والبنات، كيف لي أن اختار شريك الحياة الذي يكون سنداً لي، ويشاركني أفكاري وأحلامي وطموحاتي. كل الشباب يحلم بالزوجة الصالحة التي تطيعه ولا تجادله ولا تعانده، ولا تكون نداً له، قليلة الكلام رزينة الأفعال، يزينها حياؤها، ويكون هو أول من يسكن قلبها.

وكذا البنات تحلم بالزوج الصالح الذي يحتويها ويقدرها ويدللها ويعاملها كمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته -رضوان الله عليهن-، الزوج الذي تفخر به أمام العالم أجمع بحسن خلقه وحسن معاملته لها ولأهلها، وتفوقه في مجال عمله الدنيوي، الزوج الذي لا يبخل عليها بمشاعره وحبه، وأن يعبر لها عن ذلك الحب بالقول والفعل ويساعدها فى أعمال البيت إذا استطاع ويساعدها في تربية الأبناء.

ولكن.. أين يجد الشاب هذه الزوجة، وأين تجد الفتاة هذا الزوج، هل حقاً يوجد زوجة بهذه المواصفات، وهل حقاً يوجد زوج بهذه المواصفات أم أنها محض أحلام؟
وأقول نعم يوجد إن شاء الله، الفتاة الحيية الدينة ذات الخلق وصاحبة الفكر والرسالة، المطيعة لزوجها، الوقّافة عن حدود شرع ربها، وكذا يوجد الشاب الحيي ذو الخلق العالي، العارف لقدر المرأة وحقوق زوجته عليه، والوقّاف عند حدود شرع الله، ولكن للحق إنهم قليلون.

اعلم أن البعض سيصاب بالإحباط بعد كلمة قليلون، على الرغم من أنه عادة ما تكون فرص التميز الدنيوية قليلة، غير أننا جميعاً نتنافس في الحصول على هذه الفرص، فلم نحبط هنا؟ قد يسأل سائل وهل فى الحصول على زوج صالح أو زوجة صالحة تنافس؟

نعم إن الحصول على زوج صالح أو زوجة صالحة رزق من الله –عزوجل- فيجب عليكم أن تروا الله من أنفسكم خيراَ، لا تنقطعوا عن الابتهال والدعاء والتضرع إلى الله بأن يرزقكم بالأزواج الصالحين، أخرجوا من حولكم وقوتكم إلى حول الله وقوته، افتقروا إلى الله حتى يتفضل عليكم برزقه، وليس هذا في الزواج فقط، بل في كل شأن من شئون الدنيا والآخرة، فليس بأحد قادر على أن يعلم ما يدور بداخلك وبحديث نفسك إلا الله، وليس من أحد أقدر على تلبية حاجتك إلا الله، هو يعلمك ويعلم ما ينفعك أكثر مما أنت تعرف.

لا أستطيع أن أقول أن هناك أسس وقواعد ثابتة لاختيار شريك الحياة، فلكل شخص ظروفه التي تختلف عن غيره، غير أن ما يممكني القول به هو أنه هناك أمور لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها وهى نوعان:

أمور داخلية، نفسية وروحية: تتعلق بالشاب أو الفتاة نفسها، وليس لأي أحد دخل فيها أو يستطيع الحكم عليها غير الشاب والفتاة، لذلك ليس فيها استشارة.
أمور خارجية: يمكن الاستشارة فيها.

أما الأمور الداخلية

هو أن يكون هناك:

1_حد أدنى من الاتفاق على قيم أخلاقية أساسية والالتزام بالشرع.
وهو معيار أساسي لقبول الإرتباط من رجل معين، فلا بد أن يكون ملتزماً بقيود الشرع، أن يصلي ويصوم ويبتعد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
2- حد أدنى من التجاذب النفسي والروحي المتبادل.
3- حد أدنى من التقارب في الطباع بين الطرفين.
4- حد أدنى من الاتفاق على أهداف مشتركة في الحياة

الأمور الخارجية
1- الهيئة والمظهر الخارجي للشخص:

قبول شكل الشخص وهيئته سواء طويل أو قصير نحيف أو بدين شئ فى غاية الضرورة؛ لأنها ستراه كل يوم وستعيش معه، فكيف تعيش مع إنسان لا تتقبل شكله وكيف ستسمر الحياة فيما بعد!

وأقول أن الجمال نسبي فمن تراها فائقة الجمال قد يراها غيرك عادية، ومن تريه وسيماً قد تراه غيرك ليس فيه من الوسامة شئ، ويكفيك الحد الأدنى فلا تهتمي بآراء غيرك في شكل شريك حياتك، وليس المطلوب أن تفتن بشكله وهيئته، فإن وجد حد أدنى من القبول فلا بأس من إتمام الخطبة.

2- التناسب في العمر:
فكلما كان السن متقاربًا كلما كان ذلك أفضل، ولكن ليست هذه هي القاعدة الثابتة؛ إذ تلعب ديناميكية الشخصية دورها المهم، فتوجد شخصيات قادرة على تجاوز فارق السن، وشخصيات أخرى قد أصابتها شيخوخة نفسية مبكرة برغم صغر السن.. فالعبرة -إذن- بفاعلية الشخصية.

3- التناسب في المستوى الثقافي والتعليمي:
كذلك كلما كان هناك تقارب في المستوى التعليمي كلما كان ذلك مفضلًا، ولا يحبذ وجود فارق في التعليم بينهما لاختلاف الثقافة وحدوث فجوة في مستوى التفكير، كما يجب أن تتحاشى الفتاة ذات التعليم العالي من يقل عنها في التعليم لأنها ستعاني من مشاكل مستقبلية مع زوجها الذي يأبى تفوق المرأة عنه.

ولكن هناك شخصيات ذات مستوى تعليمي أقل، ولكنها قادرة على تعويض نقص التعليم بمضاعفة التثقيف الذاتي، بينما هناك شخصيات أخرى متعلمة ولكنها غير قادرة على التفكير السليم والحوار الفعال، والنظرة الموضوعية للأمور، فالعبرة بفاعلية الشخصية.

4- التناسب في المستوى الاجتماعي:
وتعتبر عاملاً مهما لاستقرار العائلة، وهي التوافق البيئي بحيث يرتبط الرجل بزوجة من بيئة مشابهه له في المعيشة.

5- المستوى المادي:
لا بد أن يكون هناك تقارب في المستوى المادي؛ حتى لا يحدث مشاكل بينهما لاختلاف الإمكانات المادية بينهما.

جولة في عقل فتاة
قد تقول فتاة نعم أعرف كل هذا وأفعله، ولكن إذا ما تقدم إليّ شاب كيف لي أن أعرف وأتحقق من وجود الصفات التي أريدها فيه في خلال نصف ساعة في الرؤية الشرعية؟!

وأقول لأختى الحبيبة: هذه يا أخية أولاً عليك بالاستغفار الكثير والتقرب من الله كثيراً، يكون هذا دأبك فى الحياة عموماً حتى يفرج الله كرباتك ويوسع عليك من فضله، وعندما تعلمين بتقدم شاب لخطبتك عليك ملازمة الذكر لله كثيراً والاستخارة كثيراً كثيراً، ودائماً ادعو الله في صلاتك: “اللهم بين لي من أمر فلان – اسم الشاب – بياناً شافياً “حتى يبين الله لك ما بداخله ويجرى على لسانه من الكلام ما قد يكون سبباً لقبولك له أو رفضه، وعليك أيضاً بدعاء الله –عزوجل-: ” اللهم قدر لي فإني لا أحسن التقدير، اللهم دبر لي فإني لا أحسن التدبير، اللهم اختر لي فإني لا أحسن الإختيار”.

تظلين هكذا ما إن تعلمي بالموضوع حتى ينتهي وسواء انتهى بقبولك للشخص وتمت الخطبة على خير والحمد لله، فاستمري أيضاً في الاستخارة حتى الزفاف.

وفى الرؤية الشرعية
لن أملي عليك أسئلة تسألينها؛ فهذة رؤية للتعارف كي تتعرفي على الشخص، شكله وفكره وطموحاته وخططه المستقبلية، وليست امتحان تحضر له أسئلة، تحدثي فيما تشائين وأنصتي إليه جيداً عندما تسمعي آرائه فيما تطرحينه من موضوعات للنقاش وفيما يطرحه هو من موضوعات للنقاش حتى تستطيعي تكوين فكرة عامة عنه.

للحق أن الرؤية الشرعية وحتى مرحلة الخطوبة لن تعطيك صورة كاملة عن الشخص ولن تعرفيه جيداً إلا بعد الزواج، وربما بعد مرور السنة الأولى من الزواج، حينها ستكونين فهمتي شخصيته وعرفتي طباعه جيداً، أما في الرؤية الشرعية ربما تعطيك نسبة الثلاثين بالمائة من شخصيته وبالتعرف على أهله والإنصات لأحاديثهم العادية عموماً التي ستساعدك فى أخذ فكرة عن البيئة والعادات والأصول التي تربى فيها هذا الشخص، وحديثهم عن الشخص المتقدم لك ربما تصلي إلى خمسين بالمائة.

بعد الرؤية الشرعية
تقف الفتاة في موقف حيرة بين رفض الشاب أو قبوله، نعم إنها وجدت فيه من الصفات الطيبة الكثير، ولكنها أيضاً هناك صفات أخرى لم تجدها أو أنها لم تتقبل شكله أو أنها لم تطمئن لظروفه الدنيوية، فتظل الفتاة تتقلب في حيرة من أمرها.. أترفض الشاب الذي وجدت فيه ما تتمناه من أمر الدين لأنها لم ترتضي فيه شيئاً دنيوياً، أليس هذا بطر! ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه” !

ولكي أطمئنك يا أخية، أقول لك إذا كنت في هذه الحال فسألي نفسك سؤالاً صادقاً: هل تتقبلين هذا الشخص نفسياً وقلبياً وعقلياً كما هو لم يتغير أبد الدهر، أم أنك تأملين تغييره فيما بعد أو تعدل ظروفه؟!

فإذا كنت تأملين التغير فأقول لك بكل ثقة عليك بالرفض وأنت مطمئنة، ولا تؤنبي نفسك فيما بعد لأنك رفضتيه بل هذا هو الأفضل لك وله، أفضل من أن تنقلب حياتكم فيما بعد إلى جحيم. ارفضيه وسيرزقك الله بمن تقبلينه تمام القبول، وهو سيرزقه الله بمن تقبله تمام القبول كما هو دون أن تطلع إلى أن تغير فيه شيئاً.

وإليكِ هذه
أخيتي لا تبني حياتك الزوجية على احتمالات وخيالات، بل ابنيها على الواقع والحقائق التي أمامك، عندما يأتيك صاحب النصيب ستعرفينه ستجدينك تتقبليه بكل مافيه من مميزات وعيوب، ربما تكوني رفضتي قبله الكثيرين بسبب بعض العيوب التي هي فيه أيضاً، ولكنك ستتقبلينه هو ليس لأنك تعبتي من كثرة الرفض وكثرة الرؤى الشرعية -وأعلم أن هذا حقاً مرهق للكثير من الفتيات، أسأل الله أن يثبتهم ويرزقهم الأزواج الصالحين-، أو لأنك تعبتي من ضغوطات الأهل وكلام الناس، فقررتي الرضوخ لهم وتستسلمي وتوافقي على أي عريس، لا ليس هذا بل لأن الله سيؤلف بين قلوبكم فـ “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف”.

وختاماً لكِ
أخيتي أعلم ما تمرين به من ضغوطات وأشعر بما تشعرين به من الآلام، ولكل إنسان طاقة تحمل، فإذا استطعتي أن تتحملي أكثر حتى تجدي الانسان الذي تحلمين به، فاستعيني بالله ولا تعجزي، وإن لم تستطيعي فهذا شأنك -وأسأل الله أن يجازيك خير ويرزقك الزوج الصالح-،

لكن عليك ألا تخدعك المظاهر وانظري إلى الجوهر، لا يغرنك حافظ القرآن الملتحي، فللأسف ابتلينا في هذا الزمان من مخادعون كثر، ولكن اهتمي وانظرى لأخلاقه ستعرفينها عندما يسأل أهلك عنه وعن أهله جيداً، وحاولي أن تستشفيها في الرؤية الشرعية بالتطرق للحديث عن أهله وإخوته وكيف يعاملهم، وأمه لابد أن يكون باراً بها حافظاً لفضلها، وعن معاملته لزميلاته فى عمله وزميلات الدراسة، وستعرفينها أيضاً من أخلاق أهله عندما تقابليهم.

جولة في عقل شاب
ربما الشباب أسعد حظاً من البنات؛ فهم أقل حيرة منهن، فما يشغل الشاب فى اختيار زوجته بالطبع أخلاقها وحسن تربيتها، وألا تكون من صاحبات العلاقات السابقة، وهو لا يتحير كثيراً في التأكد من وجود هذه الصفات فيمن نوى التقدم لها، فهو يسأل عنها وعن أهلها، وبمعرفته أخواتها الشباب ووالدها ونسائبهم، إن كان لهم نسائب يستطيع أن يعرف بصورة أقرب للواقع مدى التزام الأسرة التي هو مقبل لمناسبتهم، وما يهتمون به فيمن يريدونه زوجاً لابنتهم، وما قد يطلبونه منه بالنسبة للمهر والتجهيزات.

أما عن الفتاة نفسها كيف يعرف الشاب طبائعها الحقيقية فهي نعم قد تكون من بيت طيب لكن بها بعض الصفات التي لا يمكن أن يقبل بها كالعناد مثلاً؟

وأقول إن البنت إذا ما كانت من بيت طيب فهذا يضمن أن بها كثير من الصفات الطيبة، أما طريقة معرفته لبعض الصفات التي تهمه فيمكنه معرفتها فى خلال الرؤية الشرعية، عن طريق طرح موضوعات معينة فينصت لها فى رأيها فى الموضوع ولطريقة ردها ومستوى صوتها، أى يراقبها كلها وليس فقط اهتمامه بإجابتها أو رأيها، بل ينتبه لما يسمى بلغة الجسد، فالبنات كثيراً ما يكن واضحات وتحكمهن العاطفة أكثر من العقل، فإذا تشبثت برأيها في أمر ما، ربما تنفعل بسرعة وتغضب رغماً عنها، فتعرف أنها سريعة الغضب مثلاً وأنها تتمسك برأيها لا تتنازل عنه.

الفتاة إذا انفعلت لا تستطيع التجمل، إلا إذا كانت طبيعتها جميلة. ولا يفهم من كلامي هذا أن يجرى لها عدة اختبارات للتأكد من نقاء معدنها كما يفعل بعض الشباب؛ لأن هذا الأمر يغضب البنات كثيراً، ولكن ليكن أمر النقاش طبيعياً وملاحظة ردود أفعالها أثناء الرؤية، ويلتزم الصراحة والوضوح فيما يطرحه من موضوعات تهمه فيما بعد الزواج مثلاً، إذا كان يرفض عملها أو إكمالها لدراستها، فلا داعي إطلاقا للتجمل في أثناء الرؤية؛ حتى لا يحدث مالا تحمده عقباه فيما بعد.

وختاماً
أختم بوصية لكل شاب وفتاة، يجب عليكم الصدق والوضوح التام أثناء الرؤية فيما تطرحونه من نقاشات، وما تعطونه من آراء والصدق والوضوح التام مع أنفسكم في مشاعركم، وحقيقة قبول كل طرف تجاه الآخر، وإذا لم يقدر الله النصيب فليحفظ الشاب سر البيت الذي كان يود مناسبتهم، وكذا الفتاة تحفظ أمر الشاب، فلربما تقدم لخطبة صديقتها أو قريبتها، فما لا يعجبكم قد يعجب غيركم.

ويجب على الشاب أن يرسل رداً لأهل الفتاة حتى وإن كان بالرفض، ولكن بأسلوب مهذب دون ذكر أسباب الرفض. وعلى الفتاة أن تتقبل أن الشاب له الحق أيضاً في أن يرفضها وهذا ليس نقصاً ولا عيباً فيها، ولكن ربما رأى أنكم غير ملائمين لبعض فكرياً أو اجتماعياً أو لأي سبب آخر.