فاستبقوا الخيرات “6”
إنَّ هذه الأيام وما فيها من نفحات ورحمات لايُقبل فيها تواني أو فتور، بل تستحق الجد والمسارعة، فالزمن يمضي سريعاً، والوقت هو الفرصة الذهبية التي وهبها الله للإنسان، يزرع فيها ليحصد في الأخرة .
وإن كان البطئ والتراخي لايُقبل في أعمال الدنيا, فيجب أن يكون بعيداً عن أعمال الاخرة، فهي طريق صحيح، لا يحتاج إلى تردد أو تراخي، بل يحتاج إلى المبادرة قبل الفوات؛ لأن كل يوم يمضي هو من الفوات، وبعد الفوات يكون الندم، والندم لا يغني عن العاقل شيئًا؛ يَقُولُ رَسُولُ ﷺ: “مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلا نَدِمَ”. قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: “إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لا يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لا يَكُونَ نَزَعَ“. يعني تاب ورجع.
فالمسابقة والمسارعة في فعل الخيرات أمر شرعي أمرنا الله به “فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا” “سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ” “وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ“
قال السَّعْدِي: “فَمَنْ سَبَقَ في الدُّنْيا إلى الخيرات فَهُوُ السابقُ في الآخرةِ إلى الجنات، فالسابقون أعلى الْخَلْقِ دَرَجَة”.
يقول النبي ﷺ “التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلا فِي عَمَلِ الآخِرَةِ“.ويقول ﷺ “اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك“
ومقامات الناس في الآخرة مبنية على مقاماتهم في السير إلى الله تعالى في الدنيا، وإذا كان الناس يتفاوتون في طبقاتهم في الدنيا فإن تفاوتهم سيكون في الآخرة أكبر وأوضح.قال تعالى: “انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ“يعني في الدنيا، ثم قال عن الآخرة: ” وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا“
وتَأَمَّلْ قَولَ النبيِّ ﷺحَاثَّاً على المُبادَرَةِ، والمُسَارَعة “لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ(أي التبكير) لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا“. فيا فوز من سبق فكان أول الركب ويا هناءة من لحق بالركب.