تحرص الدولة المستبدة الفاقدة للشرعية دوما على تعزيز فكرة مركزية “الإعدام” في سلوكها الأمني والقضائي.. حيث أن الدولة ذات الشرعية دوما ما تستهلك ابطاء هذه القضايا في اجراءات التقاضي لحين وصول القضية إلى إلغاء الحكم..
المستبد دوما شخص لا يتملك وثيقة شرعية تؤكد أحقيته بمنصبه دون منازعة من أحد، كما في الدول الديمقراطية التي يأتي الحاكم فيها بانتخاب أو بإجراء قانوني شهد له القاصي والداني، أما المستبد فغالبا ما يكون حاز على السلطة بشكل دموي وغير شرعي وسلطته محل شكوك الجميع..
لذا فهو يحرص دوما على تأكيد سلطته عبر عدة مجالات أهمها:
– الملكيات العامة والخاصة: حيث ينشغل بالمصادرات ونقل الملكيات والتصرف بها بغير وجه حق ليؤكد أنه يملك أقوات الناس وأرزاقهم والتصرف بها
– تقييد الحريات: حيث يعتقل ويحاكم ويخيف البشر ويجعل من أنفسهم رقباء على ألسنتهم، وبالتالي يتحول بشكل غير مباشر لكونه يتحكم فيما تنطقه على لسانك عبر سلطان الخوف من التقييد والتحرك والاعتقال والعقوبة
– التصرف في الأرواح: لا يكتفي الحاكم بكون ملكيتك العامة والخاصة وكذلك حرياتك هي مساحة ومجال لسلطانه، بل دوما ما يرغب على التوكيد على سلطانه بأنه يمتلك “الأرواح” وقادر على إنهائها أو إبقاءها.. وهو ما قاله النمرود “أنا أحيي وأميت”
وبهذا يحرص الحاكم المستبد على توكيد شرعيته عبر مجالين مختلفين للتصرف في الأرواح، وهما :
– المذبحة: حيث تشكل المذابح وتصوريها وإشاعتها بين الناس أنه ذو سلطة على أرواحهم بشكل جماعي، وبأن أي تحرك جماعي لهم للتشكيك في سلطانه سيقابل بالمذابح الجماعية.
– الإعدام: وهو عملية قتل لكنها مقننة، أي تكتسب شرعيتها من إجراءاتها التي ليست فقط توكد على سلطة الحاكم المجردة بل على سلطانه على الدولة نفسها وأجهزتها وأنها أداته الطيعة في الأرواح..
كما أن الإعدام أداة موجهة للأفراد بأنك معرض للمشنقة في حال قررت السير بعيدا عن شرعية السلطة، بينما المذبحة موجهة للمجموع، وللغرابة يكون تأثير الإعدام في الأفراد أعمق من تأثير المذبحة، حيث تكون قصة الشخص المعدوم وسيرته محل تقمص ذاتي من كل فرد.. وكلما كان المذبوح شخصا شبيها ببقية الشعب وعامتهم كلما كان الإعدام عملية أكثر تأثيرا في التوكيد على السلطة..
أما في حال كان الشخص الواقع تحت الإعدام غريبا أو غير مشابه لعموم الناس أو قريبا منهم يكون إعدامه خافتا وغير مؤثر
لذا رأيت من الضرورة فهم حرص الدولة على تصفية البعض في عمليات أشبه بمذابح مصغرة ومجهولة، وحرصها على إعدام البعض في قضايا واضحة ومركزة إعلاميا