من هم الربانيون ؟
بقلم / أحمد جاد
1. الربانيون هم أرباب العلم و أحدهم رباني و هو الذى يربى العلم و يربى الناس أي يصلحهم و يقوم بأمرهم ، فالرباني يربى الناس بصغار العلم قبل كباره ، فهو الذى لا يكتفى بالعلم بل يضم إليه التعليم
2. و الربانى هو العالم بربه الذى يعمل بعلمه ، فإذا لم يعمل بعلمه و لم يقصد مرضاة ربه فقد خاب و خسر ، و كان النبي ” صلى الله عليه و سلم ” يتعوذ من ” علم لا ينفع و من قلب لا يخشع ” جزء من حديث أبى داود
3. و الربانيون هم ولاة الأمة الذين يجمعون إلى العلم البصر بالسياسة العارفون بأخبار الأمة .
4. و هم الربانيون بحكم علمهم بالكتاب و مدارستهم له و معرفة أحكامه و هم المصلحون ” وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ “الأعراف : 170
5. و هم الذين يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ( لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) المائدة : 63
6. و الربانيون هم العلماء الراسخون في العلم و العباد الحكماء الأتقياء
7. و الرباني : منسوب إلى الرب و الرب لغة : المالك و السيد و المنعم و المربى ، و الرب يطلق على الوالد المربى ، يربى أولاده شيئاً فشيئا ، فيقوم بسد حاجاتهم من طعام و شراب و كسوة … و كذا يعلمهم الأخلاق و الآداب و أمور الحياة .. فهذا المربى في الظاهر لكن المربى في الحقيقة هو الذى خلق و رزق و أمات و أحيا (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)) الشعراء
و هو الذى يؤدب أولياءه الربانيين ففي الحديث ” أدبني ربى فأحسن تأديبي ” الجامع الصغير : 310
الربانيون في معية الله
والرباني يعتمد على ( رب كل شيء ) الأنعام : 164 فيسخر الله له كل شيء و يحفظه و يحميه و ينصره و ينجيه … فهذا إبراهيم عليه السلام حينما أراد قومه أن يحرقوه قال رب النار و رب كل شيء ( كونى برداً و سلاماً على إبراهيم ) الأنبياء : 69
وموسى عليه السلام سخر الله له طريقا في البحر يابسا و جاء فرعون ليمر منه حتى يلحق بموسى فأطبق عليه البحر و غرق فرعون (أَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ (79)) طه
و النبي صلى الله عليه و سلم تجتمع عليه قريش لتقتله فأخرجه الله من بين أيديهم و هم لا يبصرون ، و نجاه الله و نصره ، و من هذا كثير و هكذا ينجى الله عباده المرسلين و المؤمنين ( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ) يونس : 103
و الله سبحانه يذهب عن عباده الربانيين الحزن و يسرى عنهم ، ففي عام الحزن كان الإسراء و المعراج ليُرى عبده من الآيات الكبرى . و ” جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو جالس حزين فقال يا رسول الله هل تحب أن أريك آية ؟ فقال : نعم ، فنظر إلى شجرة من ورائه ، فقال : ادع بها ، فدعى بها فجاءت و قامت بن يديه ، فقال : مرها فلترجع ، فأمرها فرجعت ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ” حسبي حسبي ” رواه الإمام أحمد
الدعوة الإسلامية دعوة ربانية
الدعوة الربانية هي الدعوة الإسلامية التي دعا بها وإليها جميع الرسل بالصبغة الإسلامية الكاملة ( ومن أحسن من الله صبغة ) البقرة : 138 .
والدعوة الإسلامية هي التي تكفل الله بحفظها ، فالقرآن العظيم كتب في عهد النبي صلى الله عليه و سلم حيث كان يملى على كتاب الوحى ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرضه على جبريل عليه السلام و هو الروح الأمين ، في كل عام ، و في العام الأخير عرضه على جبريل مرتين و لما توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك القرآن مكتوبا في السطور يحفظه 12 ألف صحابي فالشاهد أنه كتب في السطور بطريق التواتر و حفظ في الصدور بطريق التواتر أيضا ، و صدق الله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر : 9
و إذا كانت الدعوة الربانية قد حفظها الله فإنه كذلك يحفظ دعاتها و رجالها على مر الزمن ، ففي الحديث ” لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي امر الله و هم كذلك ” رواه مسلم
وأن الله سبحانه و تعالى حذرنا من اتباع غير سبيل المؤمنين حتى لا نضل بعد هدى … و أن لا نتبع غير الصراط المستقيم الذى جاء به محمد صلى الله عليه و سلم ” صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ”
و كان النبي صلى الله عليه و سلم حريصاً على أن تكون هذه الدعوة ربانية صافية نقية خالصة لا يشوبها تحريف أو تبديل ، فكان يقول ” لا تطروني كما أطرت النصارى أبن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله و رسوله ” رواه البخاري
ورأى النبي صلى الله عليه و سلم بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال : ” لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ، و الذى نفسى بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ” رواه الإمام أحمد
و قال صلى الله عليه و سلم ” تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله و سنة نبيه ” رواه الإمام مالك في الموطأ
الدعاة الربانيون
و لما كانت هذه الدعوة ربانية وهي دعوة صفوة خلقه من الأنبياء و المرسلين ، سفراء الله إلى عبادة ، لذلك احتاجت إلى دعاة ربانيين نفوسهم عظيمة : تتمثل في عدة أمور : إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ، ووفاء ثابت و لا يعدو عليه تلون ولا غدر ، و تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل ، و معرفة بالمبدأ و إيمان به و تقدير له ، يعصم من الخطأ فيه و الانحراف عنه و المساومة عليه و الخديعة بغيره ” .
هؤلاء الدعاة يتبعون المنهج الرباني و يحكمونه في الأرض لإحقاق الحق و إبطال الباطل، يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحداً إلا الله .
لا ترهبهم قوة ولا تغريهم دنيا و يعتزون بالله العزيز الدائم ولا يعتزون بشخص زائل كما يعتزون بهذه الدعوة ” فهذا ربعي بن عامر يقول لرستم قائد الفرس في موقعة القادسية ” إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده و من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة و من جور الأديان إلى عدل الإسلام ” و الدعاة الربانيون يتحملون الأذى صابرين ، وهذا علامة على صحة الطريق الذى سار عليه الأنبياء و المرسلين (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) الأنعام
و هم يعلمون أن هذا الابتلاء ليس ليعذبهم ربهم أو يسلمهم لأعدائهم .. أنما هو رحمة لهم ليكفر عنهم سيئاتهم أو يرفع درجاتهم أو ينصرهم و يمكن لهم و في الحديث ” أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قدر دينه .. ” رواه الترمذي
إن الذى يترك هدى الله تخطفه الشياطين و تضله ، فلا يدرى أين يذهب ، حيران ، فهذا مثل الذى أجاب الآلهة التي لا تضره ولا تنفعه وفى الحديث : إن الله ضرب مثلاً صراطا مستقيما و على جنبتي الصراط سواران فيهما أبواب مفتحة و على الأبواب ستور مرخاة ، و على باب الصراط داع يقول ” أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً و لا تنفرجوا ، و داع يدعو من جوف الصراط فإذا أراد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال : ويحك لا تفتحه فإنك أن تفتحه تلجه ، و الصراط الإسلام ، و السوران حدود الله تعالى و الأبواب المفتحة محارم الله تعالى ، و ذلك الداعى على الصراط كتال الله عز و جل و الداعي فوق الصراط واعظ الله فى قلب كل مسلم ” رواه الترمذي
على المسلم أن يستشعر عظمة هذه الدعوة الربانية و شرف الانتماء إليها و أنها تحقق العزة و الطمأنينة .. و من هنا يتمسك بها و يثبت عليها و يضحى من أجلها .. و أنه لا يمكن المقارنة بينها و بين الدعوات الأخرى … فأين من أين ! !
ربنا عليك توكلنا … ربنا أفتح بيننا و بين قومنا بالحق ،و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.