وسائل تقوية الأخوة
الافتتاحية : من سورة الحجرات:10-13
قال تعالي: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات:10-13).
اشتملت الآيات علي جملة من الوسائل العملية لحفظ الأخوة وتنميتها، ومن هذه الوسائل السعي في الصلح بين المتخاصمين، واجتناب الغمز واللمز والتنابز بالألقاب، وإحسان الظن بالمؤمنين وعدم التحسس والتجسس، والبعد عن الغيبة، والتعارف والتعاون بين المؤمنين علي أساس الإيمان والتقوي لا علي أساس القلة والكثرة. يقول د محمد بن لطفي الصباغ: “نهى الله المؤمنين عن اقتِراف كلِّ ما يخدش الأخوَّة، وعن اقتراف كلِّ ما يُسِيء إلى التقدير والاحترام بين الإخْوة، ونهى أنْ يعيب أحدٌ أحدًا وعن التنابُز بالألقاب وعن الظنِّ السيِّئ، وعن الغِيبة والتجسُّس ونحو ذلك” يقول الشيخ المراغي رحمه الله: “﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ أي إنهم منتسبون إلى أصل واحد وهو الإيمان الموجب للسعادة الأبدية، ولما كانت الأخوة داعية إلى الإصلاح ولا بد فقد ترتب علي ذلك قوله تعالي: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ في الدين كما تصلحون بين أخويكم في النسب ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في كل ما تأتون وما تذرون، ومن ذلك ما أمرتم به من إصلاح ذات البين ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي رجاء أن يرحمكم ربكم ويصفح عنكم ﴿ِإنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ أي إن ظن المؤمن بالمؤمن الشرّ إثم، لأن الله قد نهاه عنه ففعله إثم. قال ابن عباس في الآية: نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن سوءً. ثم لما أمرهم سبحانه باجتناب كثير من الظن نهاهم عن التجسس فقال: ﴿وَلا تَجَسَّسُوا﴾ أي ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره يبتغى بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما تعلمون من الخفايا .وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ أي ولا يذكر بعضكم بعضا بما يكره في غيبته، والمراد بالذكر: الذكر صريحا أو إشارة أو نحو ذلك مما يؤدى مؤدى النطق، لما في ذلك من أذى المغتاب، وإيغار الصدور وتفريق شمل الجماعات، فهي النار تشتعل فلا تبقى ولا تذر، والمراد بما يكره ما يكره في دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجته أو خادمه أو ملبسه أو غير ذلك مما يتعلق به. قال الحسن: الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله: الغيبة، والإفك، والبهتان فأما الغيبة: فهي أن تقول في أخيك ما هو فيه. وأما الإفك: فأن تقول فيه ما بلغك عنه. وأما البهتان: فأن تقول فيه ما ليس فيه.ولا خلاف بين العلماء في أن الغيبة من الكبائر وأن على من اغتاب أحدا التوبة إلى الله أو الاستغفار لمن اغتابه أو الاستحلال منه. ﴿وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا﴾ أي للتعارف لا للتناكر، واللمز والسخرية والغيبة تفضى إلى ذلك” (تفسير المراغي، بتصرف).
دروس مستفادة من الآيات:
• الأخوة أخت الإيمان ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
• من الوسائل العملية لتنمية الأخوة في مجال التحلية:السعي في الصلح بين المتخاصمين، وإحسان الظن بالمؤمنين، والتعارف بين الناس أجمعين.
• من الوسائل العملية لتنمية الأخوة في مجال التخلية:عدم الغمز واللمز والتنابز بالألقاب، والبعد عن الغيبة، وترك التجسس والتحسس.
• ……………………………………………. أذكر دروساً أخري.
مفهوم الأخوة في الله:
يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: “وأريد بالأخوة أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة قوة الوحدة، ولا وحدةَ بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة الإيثار: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: من الآية 9). والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، و«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة: من الآية 71).
فضل الأخوة في الله:
عن أَنسٍ رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيَمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا، سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَه أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ» (متفقٌ عليه) و وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «سبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّه في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وَشَابٌ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجلَّ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مَعلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ ورَجُلان تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فقال: إِنِّي أَخافُ اللَّه، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» (متفقٌ عليه). وعن مُعَاذٍ رضي اللَّه عنه قال: سمِعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: المُتَحَابُّونَ في جَلالي، لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ»(رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).
من الوسائل العملية لتنمية الأخوة:
• إفشاء السلام: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَ لا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوه تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بينَكم» (رواه مسلم) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “ثلاث يصفين لك الود في قلب أخيك: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تناديه بأحب الأسماء إليه، وأن تفسح له في المجلس”.
• الزيارة في الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «أَنَّ رَجُلاً زَار أَخاً لَهُ في قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَد اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجتِهِ مَلَكاً» وذكر الحديث إلى قوله:«إِن اللَّه قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ» (رواه مسلم).
• التفقد والمعايشة والتكافل: وذلك بالمجالسة والتزاور والتباذل، عن أبي إِدريس الخَولانيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإِذَا فَتًى بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعهُ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي اللَّه عنه، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحِبُّكَ للَّهِ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَللَّهِ، فقال: آللَّهِ ؟ فَقُلْتُ: أَللَّهِ، فَأَخَذَني بِحَبْوَةِ رِدَائي، فَجَبذَني إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: «قالَ اللَّهُ تعالى وَجَبَتْ مَـحبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسِينَ فيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالمُتَباذِلِينَ فيَّ» (حديث صحيح رواه مالِكٌ في المُوطَّإِ بإِسنادِهِ الصَّحيحِ).
• التعبير عن الحب: عن أبي كَريمةَ المِقْدَادِ بن مَعْدِ يكَرب رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ، فَلْيُخْبِرْه أَنَّهُ يُحِبُّهُ» (رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ). وعن مُعَاذٍ رضي اللَّه عنه، أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أَخَذَ بِيَدِهِ وقال: «يَا مُعَاذُ واللَّهِ، إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعاذُ لا تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادتِك»(حديث صحيحٌ، رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح). وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه، أَنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَمَرَّ بِهِ، فَقال: يا رسول اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذا، فقال له النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «أَأَعْلمتَهُ؟» قَالَ: لا قَالَ: «أَعْلِمْهُ» فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه ، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْببْتَنِي لَهُ. (رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيح).
• سلامة الصدر: وتعني خلو القلب من الحقد والغل والحسد وغير ذلك من أمراض القلوب، وهي أدني درجات الأخوة كما قال الإمام البنا رحمه الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث» (رواه البخاري). وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: “قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قيل صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثمَ فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد»(رواه ابن ماجة).
• حسن الظن: “إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، ومن الأسباب المعينة على حُسن الظن: الدعاء فإنه باب كل خير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا. وإنزال النفس منزلة الغير فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، ومنها كذلك حمل الكلام على أحسن المحامل، وتجنب الحكم على النيات وهذا من أعظم أسباب حسن الظن؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه، ومنها أيضا استحضار آفات سوء الظن؛ فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه ؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]”(إسلام ويب، بتصرف).
• رد غيبة الإخوان والذب عنهم: يجب على الأخ إذا سمع عن أخيه ما يكره أنْ يُدافِع عنه ويذب عن عرضه ما دام لا يعلم عنه إلا خيراً، وأن يذكره بالخير الذي يعلمه عنه سواء طوي عن الناس أو انتشر خاصة في الموقف الذي ينتقص فيه من عرضه وهو غائب لا يعلم ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، قال تعالي: ﴿وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ (النور: 16 (وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن ذَبَّ عن لحم أخيه بالغيب كان حقًّا على الله أنْ يعتقه من النار» (رواه أحمد).
• المصارحة والمكاشفة: فلابد للمسلم من أن يُصارح أخاه بما في صدره، فربما وجد عنده إجابة شافية تكفيه مؤونة الإرهاق الذهني، والقلق، والتوتر الذي يؤثر حتمًا على سلامةِ الصدر، وكذلك على المسلم أن يُصارح قيادته بما يعتريه من تساؤلاتٍ أو شكوكٍ دون أدنى حرج. ولنا في الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأسوة في ذلك، ففي بيعة العقبة الثانية وقف أبو الهيثم بن التيهان يصارح ويكاشف، ويستفسر من الرسول صلى الله عليه وسلم عما يجول بنفسه فقال: “يا رسول الله، إنَّ بيننا وبين الرجال- يعني اليهود- حبالاً، وإنا لقاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله، أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال كعب بن مالك: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحاربُ مَن حاربتم، وأسالم مَن سالمتم». فهذه قمة المصارحة والمكاشفة حتى لما يجول في أغوارِ النفس، وقد تقبَّلها النبي صلى الله عليه وسلم برحابةِ صدر، وذلك درسٌ في واجباتِ القيادة لتقبل المصارحة والمكاشفة بسلامةِ صدر، والعمل على إزالةِ ما قد يكون قد التبس على أذهان إخوانهم.
• التناصح والتواصي بالحق وبالصبر: قال تعالي: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. ولا شك أن تواصي الإخوان فيما بينهم بالتمسك بالحق مهما كانت تكاليفه والصبر علي ما يصيبهم في سبيل الله من أهم أسباب تماسكهم ودوام أخوتهم، ولا بد من أن نشير هنا إلى بعض آداب التواصي، والنصح: كأن يكون سرًّا وبالحكمة والموعظة الحسنة، وبأسلوب رقيق، يقول بعض السلف: “أد النصيحة على خير وجه واقبلها على أي وجه”.
• تقدير واحترام أهل السبق والسن والمسئولية: ومعرفة الفضل لأهله قال تعالى: ﴿وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ (البقرة)، فمعرفة المسلم لفضل أخيه، بل ومحاولته البحث له عن فضل تجعله يحبه، ويتقبل منه، ويسمع له بدلاً من أن ينفر منه، ويتجنب لقاءه، فإذا بحث كل واحد منا عن فضلٍ لأخيه فسوف يزدهر العمل، ويحس بقيمة أخيه وتأثيره وفضله. روى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم وإمام مقسط.” وروى الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال “لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني” وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن شهاب بن عباد أنه سمع بعض وفد عبدالقيس وهم يقولون: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد فرحهم، فلما انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحب بنا النبي صلى الله عليه وسلم ودعانا، ثم نظر إلينا، فقال: من سيدكم وزعيمكم؟ فأشرنا جميعاً إلى المنذر بن عائذ.. فلما دنا منه المنذر أوسع القوم له حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحب به وألطفه وسأله عن بلادهم” وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: “ليس منا من لا يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا” (رواه أبو داود والترمذي). عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ”ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه” (رواه أحمد والطبراني وإسناده حسن).
• التغافر والتماس الأعذار وستر العورات: والتغافر يعني أن يسامح كل منا أخاه، فيصبح التسامح وستر العورات والتماس الأعذار أخلاق سائدة، ورد في الحديث: “مَن اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس” (رواه بن ماجة)، وفي رواية: “من تُنُصِّل إليه فلم يقبل لم يرد الحوض” (الطبراني). قال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا ، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه.إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك.
• عفة اللسان: لا بد أن يحرص كل منا على نفسية أخيه، وألا يجرحه، وأن يُراعي معه أدب الحديث، وألا تكون الأخوة مرادفًا لعدم الحرص في الحديث أو الابتذال فيه، أو زوال الفوارق السنية والاجتماعية، فلا بد من أن نرقى بأسلوب حوارنا، وأن يحترم كل منَّا الآخر.
جراح الطعان لها التئام***** ولا يلتام ما جرح اللسان
• إعطاء الأخ حقوق المسلم عند الخلاف: ومن هذه الحقوق السلام عليه إذا لَقِيته، و ردُّ السلام عليه إذا ألقى عليك السلام، و إجابة دعوته إذا دَعاك، وعيادته إذا مرض، واتِّباع جنازته إذا مات، وتشميته إذا عطس فحَمِدَ الله، ونصيحته إذا استَنصَحك، وإبرار قسمه إذا أقسم عليك، ونصره إذا ظُلِمَ وكنت قادرًا على نصره. عن أبي هريرة رضِي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دَعاك، فأجبه، وإذا استَنصَحك فانصَحْ له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا مات فاتَّبعه (رواه البخاري و مسلم).
جريدة الشرق تنشر فعاليات حملة لأجلك أقصانا ضمن قيمة الانتماء التي تتبناها تربية