وقفات تربوية فى قصة يونس عليه السلام
أيها الأحرار الكرام: دعوتنا أغلي من حياتنا؛ لأنها دعوة إلي الله تعالي ودينه ومنهجه، ولأنها دعوة إلي الحق والخير والعدل والحرية والرحمة والخلق الفاضل والسلوك المستقيم، ولأنها أعطت لحياتنا معني وقيمة، ولأنهاجعلت لنا هدفا وغاية نعيش لها ونسعي لتحقيقها ونضحي من أجلها، ولأننا ارتبطنا فيها بأفضل من عرفناهم في حياتنا حباً لله ورسوله وحرصاً علي الخير العام لكل الناس، فاجعلوا همكم الأول أيها الأحباب أن تمارسوا هذه الدعوة مع السجناء من غير الإخوان، وأن تورثوا قيم هذه الدعوة للشباب من الإخوان حتي تتسع دائرة النور، ويبصرالحق من لم يكن يعلمه، ويتحمس لهم من لم يكن قبل ذلك مهتماً، ويضحي من أجله من كان قبل ذلك مكتفياً بالدعاء للمجاهدين.
أيها الأحرار الكرام: هيا بنا نقف وقفات مع يونس عليه السلام في دعوته نتعلم منها الدروس والعظات والعبر. وقد ذكر الله تعالي قصته مجملة في قوله سبحانه: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنبياء: 87 – 88 ). وذكرها مفصلة بعض الشيء في قوله عز من قايل: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ (الصافات: 139 – 148). وبإمعان النظر في هذه الآيات يمكن الخروج بعدد من الدروس التربوية المهمة منها:
أولاً: الهداية مهمة ربانية، الأنبياء وأتباعهم من الصالحين والمصلحين مهمتهم تقتصر علي التبليغ والدعوة والإرشاد، أو كما يسميها الإمام ابن القيم رحمه الله هداية البلاغ، أما هداية التوفيق فهي من الله وحده، وهذا يريح قلب الداعية فليس عليه إلا استفراغ الوسع والطاقة والقيام بواجب الدعوة بغض النظر عن النتائج وبغض النظر عن ضغوط الواقع، وأنتم أيها الأحرار لن يوسع عليكم جدران السجن أكثر من شعوركم بهذه الحقيقة واستفراغ وسعكم فقط في الدعوة دون نظر إلي النتائج.
ثانياً: من الخطأ ترك المهمة دون الرجوع إلي القيادة صاحبة التكليف مهما كانت الظروف والمبررات؛ فهذا يونس عليه السلام ﴿ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ في لحظة يأس من استجابة قومه، وترك مهمته الدعوية التي كلفه الله تعالي بها دون الرجوع إليه، ولم يخطر بباله أبداً أنه يخرج علي أمر الله أو يفتات عليه أو يخالفه أو يعصيه ولكنها لحظة ضعف استجاب لها، ورغم أن ذلك لم يكن خطأ مقصوداً لكنه أمر خطير فكانت النتيجة عقوبة مباشرة من الله تعالي؛ وكان مصيره في بطن الحوت﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ وكفي باللوم من الله تعالي عقوبة. فلا تترك مهمتك الدعوية لأي سبب من الأسباب وإن لم يعجبك أداء بعض الأفراد أو القيادات.
ثالثاً: من الضوابط التربوية في العقاب حتي يؤتي ثماره أن يكون علي قدر الخطأ، وأن يتم تنفيذه عقب وقوع الخطأ وليس علي التراخي أو بعده بفترة طويلة فإن ذلك يقلل من القيمة التربوية للعقاب، وحتي يتمكن المخطئ من فهم خطئه ويساعده ذلك في الإقلاع عنه.
رابعاً: مراجعة النفس والتوبة والاعتراف بالخطأ أصل الفرج، وتأمل قوله تعالي: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ وقوله تعالي: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.