أحمد الله أني ولدت في هذا الزمان
د. إياد قنيبي

– في مصلى العيد، نظرت إلى الخطيب يقف على مستوى مرتفع قليلا وأمامه عدد كبير.
فتصورت مشهداً شبيها ليوم القيامة: تصورت رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وحوله أمته ممن سيدخلون الجنة. قلتُ في نفسي: أمة محمد…من مات منهم عبر القرون، وأهل هذا الزمان، ومن سيأتي بعدهم…تعدادهم بالمليارات!
فإذا تحلَّقوا حول النبي صلى الله عليه وسلم حلقة بعد حلقة…في أية حلقة سأكون؟!

– هل سأكون في أطراف الأطراف؟ أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أبصر النجوم الزاهرة من بعيد؟

– أم سأكون أقرب…أكاد أميز ملامحه وأسمع نبرته دون تمييز كلماته؟

– أم سأكون قريبا…أتملَّى من وجهه الأزهر الذي يبرق من السرور بنجاة من نجا من أمته…وهو الذي إذا سُر استنار وجهه كأنه قطعة قمر كما صح في الحديث…فأرى وجهه وأسمع كلامه مفهوما كلمة كلمة..

– قد يقول قائل: (وهل سيكون هناك اجتماع حول النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؟)، فأقول لك: ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ…وإنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعدَكم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ…)..فهناك قرب وبعد.

– فأين سأكون في هذه الحلقات؟!

– لو أني ولدت في عصر من عصور عزة الأمة وقوتها…فلعل طمعي في حلقة قريبة من المصطفى صلى الله عليه وسلم سيكون أقل!

– أما وقد ولدت في هذا الزمان الصعب، فإذا أنعم الله علي بالثبات على ديني واستعملني في تثبيت غيري، وفي بث الاعتزاز بالإسلام في نفوس أبناء المسلمين…فلماذا لا أطمع؟!

– لماذا لا أطمع وأنا أسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عبادةٌ في الهرْجِ و الفتنةِ كهجرةٍ إليَّ) (صحيح الجامع)؟ فيكون عملي في الدنيا الذي هو كالهجرة سبباً في أن “أهاجر” إلى حلقة قريبة منه يوم القيامة.

– أحمد الله على أني ولدت في هذا الزمان..على صعوبته، وعلى أحزانه، وعلى كل ما فيه…فهذه هي نفسها أسباب تطمعني في القرب من نبيي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

– ويكفيني طمأنينة في ذلك أنه (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، وأن (المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة)، فمن ماذا أخاف؟

– فاستبشروا إخواني، ودعوا عنكم عبارات الألم والتَّشَكِّي من الواقع…بل هذا الواقع الأليم هو فرصتكم! لتحجزوا لكم مكانا قريبا في حلقة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم…

– فهل من مُشَمِّر؟!