أحمد بن فضلان السفير الرحالة

يبقى الرحالة المسلم أحمد بن فضلان بن العباس بن الرشيد بن حماد من أشهر الرحالة الذين كان لهم السبق في الكتابة عن “الروس” وفي التعريف بهم لدى العرب، وقد أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله ضمن بعثة رسمية إلى ملك صقالبة حوض الفولغا “ألمش بن يلطوار” بطلب من هذا الأخير ليفقهه في الدين ويعرفه شرائع الإسلام، ويبني له مسجدا وينصب له منبرا ليقيم عليه الدعوة له في بلده وجميع مملكته، ويسأله بناء حصن يتحصن فيه من الملوك المخالفين له ولحماية البلغار من تهديدات الخزر اليهود

وضمت البعثة إلى جانب ابن فضلان كلا من سوسن الرسي مولي نذير الحرمي، وتكين التركي، وبارس الصقلبي، أما دليلهم فهو عبد الله بن باشتور الخزري رسول ملك الصقالبة إلى المقتدر، وانضم إلى البعثة فقيه ومعلم وغلمان.

وغادرت البعثة بغداد في صفر عام 309هـ/921م، ووصلت إلى بلاد البلغار في محرم 310هـ/ مايو/أيار 922م)أي استغرقت 11 شهراً.
و زار الوفد بلاد العجم والترك والصقالبة والروس وإسكندنافيا والخزر، وعندما عاد الوفد إلى بغداد، وقام ابن فضلان بتسجيل وقائع رحلة السنوات الثلاث في تقرير أو كتاب رسمي اشتهر باسم “رسالة ابن فضلان”.

وتعد رحلة ابن فضلان مصدرا هاما لتاريخ الروس والبلاد التي زارها في بداية القرن العاشر الميلادي، أي في فترة يفتقر فيها العالم الغربي اليوم إلى مصادر تخصها، لذلك استحقت عناية استثنائية من الباحثين والمحققين، لأنها دونت حقائق تاريخية نادرة، وشكلت نقلة نوعية في فن كتابة الرحلة العربية التي كانت غارقة في مفاهيم السرد، فنقلتها إلى مستوى التحليل الإثنوغرافي لشعوب وقبائل لم يكن العالم يعرف عنها شيئا.

ويروي ابن فضلان عندما وصل إلى ملك الصقالبة، وقد حضرت صلاة الجمعة
«وقد كان يخطب له على منبره قبل قدومي: اللهم وأصلح الملك يلطوار ملك بلغار، فقلت أنا له: إن الله هو الملك ولا يسمى على المنبر بهذا الاسم غيره – جل وعز – وهذا مولاك أمير المؤمنين قد رضي لنفسه أن يقال على منابره في الشرق والغرب: اللهم أصلح عبدك وخليفتك جعفر الإمام المقتدر بالله أمير المؤمنين وكذا من كان قبله من آبائه الخلفاء».

وأمره أن يخطب باسمه واسم أبيه بدون لفظ ملك، فامتثل الملك وتسمى باسم جعفر تيمناً باسم أمير المؤمنين و «تقدم إلى الخطيب بذلك ففعلت فكان يخطب له: اللهم وأصلح عبدك جعفر بن عبد الله أمير بلغار مولى أمير المؤمنين»

و يتحدث ابن فضلان عن ملك البلغار بقوله ” ويبدو لي أن ملك البلغار قد أسلم وحسن إسلامه، فهو ملك متواضع ورع ومتدين يدين بالولاء التام للخليفة العباسي، يقول: «فوالله إني لبمكاني البعيد الذي تراني فيه وإني لخائف من مولاي أمير المؤمنين، وذلك أني أخاف أن يبلغه عني شيء يكرهه، فيدعو علي فأهلك بمكاني، وهو في مملكته وبيني وبينه البلدان الشاسعة»

ولما سأل ابن فضلان ملك البلغار يوماً عن سر طلبه للمال من أمير المؤمنين رغم كثرة أمواله: «فقال: رأيت دولة الإسلام مقبلة، وأموالهم يؤخذ من حلها، فالتمست ذلك لهذه العلة، ولو أني أردت أن أبني حصناً من أموالي من فضة أو ذهب لما تعذر ذلك علي، وإنما تبركت بمال أمير المؤمنين فسألته ذلك»

استمع ل رسالة احمد بن فضلان