اخواننا الأبطال الصامدون 

إليكم يا من جعلتم الله غايتكم، والقرآن دستوركم، والرسول قدوتكم، والجهاد في سبيل الله هو أسمى أمانيكم، بكم يعز الإسلام ويعلو شأنه، وترتفع رايته، بقلوب ثابتة رحبة مطمئنة، القرآن غذاؤها، والذكر رواحها، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ريحانها، والصلاة نورها، وصفاء القلب ضياؤها، والتبسم مفتاحها، فتنتعش النفوس وتتفتح كالزهرة المقفلة حين تستقبل قطرات الندى.

يا أبطال هذه الأمة ويا أملها

يا نسائم الأرواح ومهج القلوب ، أنتم فى معية الله تعالى ، بحسن عبادته و ذكركم الدائم له سبحانه ، ومن كان فى معيته فهو فى أمن و أمان  ﴿لَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ (الانعام:82 ) .فالذى يستأنس بذكر الله سبحانه، يتبعه سكون قلبه، وراحته، واستشعار عظمة الله جلّ وعلا، ورحمته، وحكمته، وقوته، وقهره، وكذلك سننه التي يُجريها في هذا الكون، ممّا يُطمئن القلب لكلّ ما يجري حوله من تقلّبات الحياة، واضطرابها، فيكون مستبشراً متفائلاً حتى حين يقلق ويرتاب الناس من حوله، كما أنّه يصبر على البلاء الذي قد يصيبه في حياته، لأنّه يرجو بذلك مثوبة الله سبحانه، واستمداد العون منه جلّ وعلا ﴿لَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.. ﴾ (الرعد 28 ).

الأحرار الصامدون

اعلموا أن الذهب يُصهر ليزال عنه الشوائب ويصبح لامعًا براقًا، كذلك قلب المؤمن يصهر بالبلاء والشدائد؛ ليزال عنه شوائب المعاصي والذنوب، فيصبح صافيًا نقيًّا رقيقًا يستقبل التقوى والعمل الصالح، والقرب من الله بمذاق آخر يجد نوره في قلبه. فالابتلاء يكون ظاهره الكرب، وباطنه الرحمة والغفران والقرب من الله.  يقول النبي عليه الصلاة والسلام فى الحديث الشريف الذي صدره بالعجب!: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير…. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن”.  وقول ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: “من ظنَّ انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره”.  فالله تعالى لا يقدر قدرا على العبد إلا جعله محفوفا بلطفه وكرمه وفضله، ويهيئ عبده لتحمُّل هذا القدر وتقبُّله بقبول حسن إن هو رضي به واستوعبه بنفس راضية، ورأى فيه الحكمة والخير والبركة، وما علمناكم إلا كذلك والحمد لله.

   والمتأمل إرادة الله في القرآن الكريم فيجدها  كلها خيرا، اقرؤوا إن شئتم: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾، “والله يريد أن يتوب عليكم﴾، و﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين﴾ و ﴿يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم … ﴾ و”والله يريد أن يتوب عليكم﴾… الخ.

 فالله تعالى لطيف بعباده ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ ( الشورى : 19) يقول السعدي: “يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه، ويتعرضوا للطفه وكرمه، واللطف من أوصافه تعالى معناه: الذي يدرك الضمائر والسرائر، الذي يوصل عباده -وخصوصا المؤمنين- إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون”.

         وهــو اللطيف بعبده ولعبده  ***  واللطف في أوصافه نـوعـــــــــــــــــــــــــــــــــانِ
                        إدراك أسـرار الأمـور بخُـــــــــــــــــــبره  ***  واللـطف عند مواقع الإحـســــــــــــانِ
                          فيـُريك عزته ويُبدي لطــفـــــــــــــــــــــــه *** والعبد في الغفلات عن ذا الشانِ

الأبطال الصامدون

إن نبى الله يوسف عليه السلام زُج به في السجن فجعله مسجدًا للعبادة والدعوات، ولمناجاة ربه “أكثر الناس ابتلاءً الأنبياء والصالحون والأمثل فالأمثل”.  فكونوا مع الله و حولوا السجون والزنازين إلى رياض من الجنه بالطاعة و العبادة  و المداومة على ذكرالله.

استقيموا  و كونوا مع الله لتنالوا ولايته ، واعلموا أن لله أولياء لا يخشون أحدًا سواه، وللشيطان أولياء يُلْقِي بالرعب في قلوبهم من كل شيء، وقد حَذَّرنا الله من ذلك فقال تعالى ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 175)

استقيموا  و كونوا مع الله تتحققوا بعبوديته واعلموا أن للكون إلهًا واحدًا يُدبِّر أمره، وينظم شؤونه، ولا يمضي في الكون إلا أمره وإرادته، وهذا من موجبات التحقق بالعبودية له، والتوكُّل التام عليه، ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (هود:123).

استقيموا  و كونوا مع الله لتنالوا نصره و تمكينه وأعلموا أن من ينصره الله فلا غالب له، وأن من يخذله الله فلا ناصر له ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (آل عمران: 160) ، وإن اليقين بذلك يجعل المسلم لا يخشى من الدنيا كلها لو اجتمعت عليه، وذلك بفضل توكله على الله تعالى تحقيقًا: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران: 173 ) ولمَّا أحسنوا التوكل على الله أفاض عليهم سبحانه من خيراته ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (آل عمران: 174).

استقيموا  و كونوا مع الله لتنالوا من فيض رحمته واعلموا أن العالم الذي نعيش فيه لا يقع فيه إلا ما يريد الله عز وجل، وإن الخلق لو اجتمعوا على أمر لم يأذن به الله فلن يقع، وأن الخلق لو اجتمعوا على منع أمر أذن الله به فلن يمنعوه.

كم نحتاج أن  نتدبر قول الله تعالى من سورة فاطر ﴿: ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم﴾ (فاطر: 2 ). فستجدون الهدى والرحمة والاسترواح والشفاء لما في الصدور. فما دمتم مع الله تعالى وما دامت الصدور مفتوحة، والنفوس منشرحة، والقلوب فرحة برضا الله وتقديره، فاعلموا أن الله سيعقبكم بخير، وسيخلف عليكم الخير، وسينقلكم لأداء مهمة جديدة، وارتياد آفاق مختلفة، وتطوير أداء أفضل، وسترون ذلك من الله رأي العين فى القريب العاجل بمنه وكرمه: “فهل عوَّدَكَ إلا حُسنًا، وهل أسدى إليك إلا مِننًا”؟.

                           أرضُ الفلاة على الأعداء ضيقة *** وسَمُ الخياط على الأحباب ميدانُ

الأبطال الصامدون

داوموا على ذكركم وهتافكم ﴿حسبنا الله ونعم الوكيل﴾ فإن الله عز وجل بعدها مباشرة يقول ﴿فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ واتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم ﴾ (آل عمران :174).

وداوموا على ذكركم  ﴿ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾  فإن الله عز وجل بعدها مباشرة يقول ﴿ونَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وكَذَلِكَ نُنجِي المُؤْمِنِينَ﴾ (الأنبياء: 88)

 وداوموا على قولكم ﴿وأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾  فإن الله عز وجل بعدها مباشرة يقول ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾ (غافر:45)

وداوموا على موقفكم مع الحق فذلك هو الرباط وأنتم به مرابطون ثابتون منتصرون بإذن الله عز وجل.

الأخوة الأحباب

ستظل قضيتنا في قلوبنا، وسنظل نعمل من أجل ديننا وأمتنا، حتى ينكسر هذا الانقلاب وتعيش مصر كما تعيش الشعوب الحرة

بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ *** وأهلي وإن ضنوا عليَّ كرامُ

                         ﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ (يوسف: 2)