اخوتنا سر من أسرار قوتنا

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ،

فمن أهم محاسن الإسلام الجميل أنه ربط بين أرواح المؤمنين وقلوبهم برباط الأخوة في الله والحب فيه وجعلهم كالجسد الواحد، بل هم يد واحدة على من سواهم ، و دعت الآيات والأحاديث إلى دوام تمتين هذه العروة الوثقى وحمايتها من كل محاولات الشياطين لفصمها أو إضعافها ، ولما كانت الروابط البشرية تتأثر بالأحداث وكانت العواطف الإنسانية تتأثر بما يسمع الإنسان ويرى، و لما كان الخطأ من طبيعة ابن آدم قصداَ أو سهواَ ، فإن الشريعة العظيمة قد وجهت المؤمن إلى الإنتباه و التثبت و تفويت الفرص على شياطين الإنس والجن الساعيين للوقيعة بين المتحابين ، والذين يعملون بمكر الليل والنهار لإيقاد نار الخصومة بين المتآخين حتى لاينالوا من سلامة القلوب وقوة الإيمان ووحدة الصف، وبذلك يتمكنون بمواجهة الأفراد متفرقين لا صفاَ واحداَ متراصاَ .

فأكدت الشريعة الغراء على حسن التعامل واختيار الكلمات وانتقاء الألفاظ والعبارات في مخاطبة الأخ لأخيه ، وأمرت بحسن الظن بالإخوان وحمل كلامهم وتصرفاتهم على أجمل المعاني وأفضل الإحتمالات ، ودعت المخطئ إلى سرعة الإعتذار، ودعت الذي وقع الخطأ في حقه إلى سعة الصدر وجميل الصبر وقبول العذر وكريم الصفح و العفو، وبذلك تقوى أواصر الصف المسلم وتزكو عناصره، ويجعل نفسه أهلاَ لنصر الله وتوفيقه .

وهذا مثال فذ من سيرة خير القرون لكيفية معالجة مثل تلك الأحوال ، فقد روى ربيعة بن كعب الأسلمي – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه أرضاَ بجوار أرض أعطاها لأبي بكر الصديق – رضى الله عنه – فاختلف مع أبي بكر في نخلة بين الحدين ، قال أبوبكر: هى في حدي ، وقال كعب هي في حدي، فارتفعت أصواتهما فقال أبوبكر كلمة كرهها
(أي أنه بمجرد أن خرجت من لسانه أحس بخطئها فكرهها ) فقال: ياربيعة رد عليً كلمة مثلها لتكون قصاصاَ، فقال ربيعة: والله لا أرد عليك أبداَ ، فمضى ابوبكر يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم و جاء جماعة قد حضروا الواقعة وسمعوا ماجرى فقالوا لربيعة : يرحم الله أبابكر، في أي شئ يشكولرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال ما قال؟

فقال ربيعة :- ياقوم أتدرون من هذا الرجل تنصرونى عليه ؟ هذا أبوبكر الصديق ثاني اثنين اذ هما في الغار، وذو شيبة المسلمين، إياكم وأن يلفت ورائه فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة.
قالوا : فما تأمرنا ؟
قال ربيعة : انصرفوا
قال ربيعة :- وأتى أبوبكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه الىَ مغضباُ ، وقال : ياربيعة مالك والصديق؟
قلت : يا رسول الله إنه قد قال كلمة كرهها فطلب أن أرد عليه، فأبيت وكيف أرد عليه ؟
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنار وجهه كأنه مذهبة ( أي قطعة من الذهب اللامع ) وقال: أجل، لاترد عليه ، ولكن قل غفرالله لك ياأبابكر، فقلت : غفر الله لك ياأبابكر، فمضى أبوبكر وهو يبكي.
أين نحن أيها الأحباب من هذه الأخلاق العالية فيما بيننا ؟
ما أحوجنا وخصوصاً في أوقات المحن إلى اجتماع القلوب وارتباط النفوس بالعروة الوثقى ، وإذا كان من طبيعة المحن والشدائد حصول الضيق في التفوس فإن من شأن الإيمان و الأخوة الصادقة فسح الصدر وبسط الوجه وحسن الظن زطيب الحديث.

فقوتنا في وحدتنا ولن ينال الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس والجن منا بمثل التقاطع والتدابر وسوء الظن.

فالله الله في أخوتكم …. والله الله في وحدتكم ….. والله معكم ولن يتركم أعمالكم.