الإخلاص والتقوى فى حياة الداعية

إن دعوة الإسلام ليست كأي دعوة من الدعوات التي يكفي فيها أن يتحدث الإنسان عن دعوته، دون أن يكون مؤمناً بها مخلصاً لها. عاملاً بصدقٍ بمبادئها.

إن دعوة الإسلام تشترط على أصحابها، أن يكونوا أتقياء في أنفسهم، صادقين في دعوتهم، مخلصين في نياتهم،كي يحققوا نجاحهم في دعوتهم، وينالوا أجرهم عند ربهم.

وهذا شرط في كل عمل من أعمال الإسلام، ومن أجلّها الدعوة إلى الله تعالى.

قال تعالى: {أَلاَ لِلّهِ الدّينُ الْخَالِصُ} (الزمر/ 3)

وقال سبحانه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (الزمر/ 11)

وكلما كان الإخلاص أصدق، والإيمان أقوى، كان التوفيق أعظم، والأجر أكبر.

والتقوى لازمة للداعية، لزوم الماء للشجر، والروح للجسد، وهي العمل بدين الله ظاهراً وباطناً، وبخاصة فيما يدعو إليه، وإنّ امرءاً لا يعمل بما يدعو إليه، حري أن لا يوفقه الله عز وجل إلى ذلك، ولا يقبل منه عمله.

قال تعالى: {إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ} (المائدة/ 27)

ولأهمية التقوى: جاء الخطاب بتقوى الله مفرداً بسيد الدعاة رسول الله ? في أول سورة الأحزاب {يَا أَيّهَا النّبِىّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (الأحزاب/ 1)

ولا شك أن الأمة كلها مطالبة بهذا، لكن توجيه الخطاب للنبي ? له مقصود كذلك.

وبالتقوى، يحصل توفيق عظيم، وسداد للأقوال، وإصلاح للأعمال.

قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب/ 70- 71)

وبالتقوى يعين الله الداعية، ويهبه ملكة التفريق بين الحق والباطل.. والخلاص من المواقف المحرجة.. فضلاً عن تكفير سيئاته، ومحو زلاته.

قال تعالى: {يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إَن تَتّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الأنفال/ 29)

وفضلاً عن هذا كلِّه؛ فإن لتقوى الداعية أثراً بالغاً في المدعوين، فإن النفوس جُبلت على قَبُول دعوة الصادق، والنفور من دعوة الكاذب، ولا مقياس للصدق والكذب عند معظم المدعوين إلا أفعال الداعية، ومطابقتها لما يدعو إليه.

فإن العمل بما يُدعى إليه، يوحي إلى الناس صحة الدعوة، وصدق الداعي، مما يُورث القَبُول عندهم.

وعدم العمل بالعلم، وما يدعو إليه الداعية، يوحي إلى الناس فساد الدعوة، وكذب الداعي، مما يُورث النفور و الاستهجان.

ولهذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، متنبهين أشد التنبه لهذا.

فكان أحدهم -وهو نبي الله شعيب? يقول لقومه?: {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىَ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (هود/88)

بل إن الأنبياء والرسل جميعاً، كانوا يتصفون بالصدق قبل بعثتهم، وما صفة الأمين التي وُصِفَ بها النبي ? قبل بعثته بغائبة يومئذ عن أذهان العرب وكذلك قول قوم صالح لصالح: {يَاصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا} (هود/ 62)

فهي شهادة من أعدائه بصدقه، وعلوِّ منزلته فيهم قبل البعثة.

هذا من جهة المدعوين، وأما من حيث ربُّ الدعوةِ والمدعوين وأجره، فإن للداعية العامل بما يدعو إليه أجراً عظيماً عند الله.

وقد سبقت الأدلة على ما للداعية من أجر عظيم على دعوته، وإخلاصه في باب فضل الدعوة، مما لا حاجة لتكرارها.

وكما أمر الله عز وجل بالعمل بما يدعو إليه الداعية، حذر من مغبة عدم العمل بما يدعو إليه.

قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}(الصف/ 2- 3)

وقال صلى الله عليه وسلم :”يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برَحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه”.

فحري بالداعية أن يكون تقياً، كيما يقبل الناس دعوته، ولكي يقبل الله عمله.

وأي ثمرة يجنيها الداعية – إذا لم يكن تقياً – واستجاب له كثير من الناس، ثم جاء يوم القيامة صفر اليدين، قد أبطل الله عمله، لعدم إخلاصه، وقلة تقواه.

وفضلاً عما للتقوى من أثر في التوفيق، وأجر عند الله.

فإن التقوى من أعظم عوامل الثبات على الطريق في وجه الأعاصير، ومن أقوى دروع وقاية الداعية من كيد الأعداء.
قال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ لاَ يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} (آل عمران/120)

وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنّ فِى أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوَاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ}(آل عمران: 186)
فجعل سبحانه الصبر والتقوى أهم أسلحة الداعية في مواجهة الفتن، والثبات على الحق