التقوى المؤسسية

بقلم / يوسف السند

إن الحكماء والعقلاء من عباد الله المؤمنين الموحدين الصادقين والمخلصين ليتطلعون إلى مؤسستهم الخيرية والدعوية أن تكون هي الرائدة في وطنهم بل وفي العالم من حولهم؛ لأنهم دعاة رحمة وبناء وسلام وإحسان؛ ولذا كان لزاماً عليهم أن يتفقوا على معايير وسمات وأهداف تكون في نظامهم التأسيسي، وبالتالي في لوائحهم وأنظمتهم ورؤاهم ورسالتهم وأهدافهم وقيمهم ووسائلهم.

بهذه المنظومة من المعايير الواضحة تنطلق المؤسسة الربانية ببناء رباني على تقوى من الله ورضوان (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ {108} أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ) (التوبة).

هذه التقوى تبدأ عبر حساسية إيمانية بضرورة عمل الخير والمسارعة إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، إتقان في العمل، وتميز في الإنتاج وجودة وإحسان مشوب بتواضع جم وتضرع إلى المولى سبحانه وتعالى بالقبول، وشفافية شعور بمراقبة الله تعالى بالأقوال والأفعال والنيات؛ «فتكون النية الصالحة نفسٌ تضيء وهمة تتوقد، والنفس المضيئة كناية عن النفس التي احتوت نية صافية، فهي تنير بما يكون لها من هذا الصفاء، وهي النية الحرة.. حرة مما يقيد غيرها، من الأهواء والأطماع والمصالح، ولم يستعبدها درهم ولا دينار ولا جمال أنثى، ولم تكن رقيقاً لمنصب أو شهوة.

فالداعية لا يصدر قط عن شهوة، ولا طلب مصلحة، وإنما له في كل حركة وسكنة تطلعات إلى الأجر، وكذلك الصالحون.

وبهذا الوصف وصف هشام بن عبدالملك ابن عمه عمر بن عبدالعزيز الأموي رحمه الله فقال: «ما أحسب عمر خطا خطوة إلا وله فيها نية».

ولذلك استطاع عمر في أقل من سنتين تقويم اعوجاج جيلين (محمد الراشد، الرقائق باختصار).

إن لبنة التقوى في المؤسسة لهي اللبنة الأولى التي يقوم عليها البناء السامق الرفيع الذي يؤتي أكله كل حين بإذن ربه؛ حتى تتمثل التقوى في كل ركن وزاوية أو مشروع أو لائحة أو صرف ونفقة أو قرار وكلمة.

تتمثل التقوى بالخشية المستمرة والحذر الدائم من مخالفة شرعية تعطل الأعمال وتقوّض البناء وتضيع وتنسف الإنجاز!

إن تقوى الله تعالى في المؤسسة ركن عظيم للنجاح والتميز.

واتق الله فتقوى الله ما جاورَتْ قلبَ امرئ إلا وصل

ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل

تتمثل التقوى في العمل المؤسسي:

– الانضباط في الدوام والعمل بموجب العقد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) (المائدة: ١).

– التزام ما ألزمت به نفسك من سلوك طيب وخلق حسن.

– إحسان وإتقان العمل.

– العمل بروح الفريق الواحد تعاوناً على البر والتقوى.

– المحافظة على خصوصيات المؤسسة.

– اعتبار المنصب اختباراً وامتحاناً من الله تعالى لعمل صالح يقربك من الله تعالى فكن حفيظاً عليماً؛ (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ {55}) (يوسف).

– الارتقاء بالعمل مهنياً واحترافياً حتى يعم الخير وينتشر الإصلاح.

– التطوير الذاتي والتحمل في ذلك مثل كليم الله موسى عليه السلام وقد رحل إلى الخضر طالباً للعلم والمعرفة وتحدى الصعاب (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً {60}) (الكهف).

إننا بتقوى الله أولاً ثم بالعمل المؤسسي الجاد المتميز بمعاييره وقيمه ندخل بوابة الحياة عبر نظرية القيادة الإيمانية للحياة بمنهجية تربوية رصينة حكيمة معتدلة متصدين لقدر الشر بقدر الخير.

إن سر معركة الحياة هو بطاعة الله سبحانه، ويفوض المؤمن أمره إلى الله تعالى فيهديه السبيل ويمهد له الأمور ويكنس من أمامه العُتاة كما كنسهم يوم «بُعاث» قُبيل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان يوماً عصيباً سالت فيه الدماء وقتلت عتاة الأوس والخزرج، وبقي منهم عبدالله بن أُبي بن سلول ليعطينا مثلاً على أن العشرات مثله كانوا سيقولون مثل قوله ويكيدون للنبي صلى الله عليه وسلم لو لبثوا على الحياة، ولكن الله أزاحهم من طريق المؤمنين.

وكم من أحزاب جاهلية اليوم في بلاد شتى تولى الله حربها حتى ضعفت وأصبح المجال مفتوحاً أمام الدعوة في تلك البلاد لتدخل الدعوة مرحلتها المتقدمة (محمد الراشد، صناعة الحياة).

والحمد لله رب العالمين.