أمر الله سبحانه وتعالى العبدَ بالتوكلِ عليه وحده، فالتوكل على الله عز وجل هو سِمةُ العبد الصادق، وبه أمر الله الأنبياء والمؤمنين، والتوكل: هو صدق اعتماد قلب المسلم على الله سبحانه في استجلاب المصالح، ودفع الضرر من أمور الدنيا والآخرة، وتوكيل جميع أموره إليه، وإيمان العبد إيماناً جازماً بأنَّه لا يُعطي إلا الله، ولا يَمنع إلا الله، ولا يَنفع غيره سبحانه، ولا يَضر سواه. قال سعيد بن جبير: (إنَّ التوكل جِماع الإيمان)، وقال وهب بن منبه: (غايةُ المؤمن القصوى التوكل)، وقال الحسن: (معنى توكل العبد على الله أن يعلم العبد أنَّ الله هو ثقتهُ). فالتوكل على الله دليلُ صحةِ إيمان العبدِ وصلاح قلبهِ، وهو اعتراف العبد الكامل بربوبية الله، وتسليمه كل أموره للخالقِ الواحد، المتصرف بجميعِ أمورهِ، والمدبر الوحيد لأحوالهِ، صغيرها وكبيرها. وقد تكررت الآية: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ). في سبعة مواضع في كتاب الله، فقد ذُكرت في سورة آل عمران في موضعين، وفي سورة المائدة، والتوبة، وإبراهيم، والمجادلة، والتغابن.

كيف نتحقق بالتوكل على الله عز وجل؟

تحقيق التوكل على الله أمور كثيرة إن فعلها العبد المسلم تحقق لديهِ التوكل على اللهِ سبحانه، منها:

  1.  البعد عن الذنوب والمعاصي التي تُغضب الله عز وجل، فإقدام العبد على فعل معصيةٍ ينافي مفهوم التوكل على الله سبحانه. قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى).[البقرة: 197]
  2. يتحقق التوكل على الله بإيمانِ العبد بأنَّ ما كتب الله سبحانه نافذٌ، وما قدّره الله له كائنٌ، وإن بدت الأمور بعكس ما يريد العبد فعليه الإيمان بأنَّ الله سبحانه قد اختارَ لهُ الأفضل. قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).[التوبة:51 ]
  3. تحقيق التوكل لدى العبد لا ينافي السعي والأخذ بالأسباب، التي قدَّر الله عزّ وجل المقدورات بها، وجرت سنة الله في خلقهِ بذلك، فالله سبحانه وتعالى أمر العبد بالأخذ بالأسباب، كما أمرهُ بالتوكلِ عليه سبحانه، فالسعي في الأسباب يكون بالجوارحِ طاعة لهُ، والتوكل على الله يكون بالقلبِ إيماناً بهِ سبحانه، قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ)،[النساء: 71] وقال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)،[الأنفال: 60] وقال سبحانه في سورة الجمعة: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ)،[الجمعة: 10] ويغفل الكثير من الناس عن التوكل على الله سبحانه وتعالى، ويقفون على الأسباب الظاهرة المحيطة بهم، ويُتعبون أنفسهم بالأخذِ بالأسباب، ويجتهدون غايةَ الاجتهادِ، ومع هذا كله لا يأتيهم إلا ما كتبهُ الله وقدَّرهُ لهم، ولو أنَّهم إلى جانب أخذهم بالأسباب حققوا التوكل على الله سبحانه بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم، مع أدنى وأصغر سببٍ. كما يَسوق للطيور أرزاقها، بمجردِ الغدو والرواح وهو سعيٌ للرزقِ يسير.

 وعلى المسلم أن يتذكر أموراً ثلاث، وهي:

  • ليس هناك تعارضٌ بين التوكّلِ والأخذ بالأسباب.
  • يجب على المسلم الأخذ بالأسباب، وإن كانت في نظرهِ ضعيفة في نفسها أو ليس لها تأثيرٌ، فهذه السيدة مريم عندما أراد الله سبحانه أن يُطعمها، أمرها سبحانه بهزِ جذعِ النخلةِ، فأخذت بالأسبابِ رغم ضعفها، روى معاذ بن جبل فقال: (كنتُ ردفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على حمارٍ يقال له عفيرٌ، فقال: يا معاذُ، هل تدري حقَّ اللهِ على عبادِه، وما حقُّ العبادِ على اللهِ. قلت: اللهُ ورسولهُ أعلمُ، قال: فإنَّ حقَّ اللهِ على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، وحقُّ العبادِ على اللهِ أن لا يعذبَ من لا يشرك به شيئًا. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أفلا أبشر به الناسَ؟ قال: لا تبشِّرهم فيتَّكلوا).[رواه البخاري]
  • عدم الاعتماد بشكلٍ أساسي وقاطعٍ على الأسباب فقط، وإنَّما يعتمدُ المسلمُ في البداية والنهاية على الله سبحانه، مع أخذهِ بالأسباب، فالله يُقدّر الأمور بأسبابها.
  • 4-   يتحقق التوكل بمعرفةِ المسلم أنَّ بتوكلهِ هذا ينالُ رضا الله سبحانه ومحبته، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)،[آلعمران: 159] ويُجازى المتوكل بالجنة، والتي هي أسمى أماني المؤمن، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ*الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).[النساء: 81]
  • يتحقق التوكل بشعور العبد بضعفهِ، وفقرهِ، وحاجته لله سبحانه وتعالى، فمهما بلغ من أسباب القوة يبقى ضعيفاً، ويحتاج إعانة الله له في أمور حياته، وفي التغلب على مصائبهِ، وكروبهِ، قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا).[١٥] والمسلم يعلم أنَّه لا يضرُّ ولا ينفعُ إلا الله سبحانه، ولا يُعطي ولا يَمنع إلا الله سبحانه، فيتوكل عليه، ويأخذ بالأسبابِ التي تُعينه على ذلك. وفي حديث عبد الله ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (من سرَّه أنْ يكونَ أقوى الناسِ فلْيتوكلْ على اللهِ). فلو أنَّ العبد حقق التقوى والتوكل، وأخذ بالأسبابِ، في كل شأنه، فإن أمور حياته الدنيا والآخرة تتحقق بسهولةٍ ويُسرٍ له، فكم من عبدٍ فوّض أمره لله كفاه الله ما أهمه. قال الله عز وجل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).[الطلاق: 2-3]