حين يريد الحق أن يعيش في عزلة عن الباطل – تاركاً مصيرهما لفتح الله وقضائه – فإن الباطل لا يقبل منه هذا الموقف . بل يتابع الحق وينازله ويطارده .!

ولقد قال شعيب لقومه :

( وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ، فاصبروا حتى يحكم الله بيننا ، وهو خير الحاكمين )

ولكنهم لم يقبلوا منه هذه الخطة ، ولم يطيقوا رؤية الحق يعيش؛ ولا رؤية جماعة تدين لله وحده وتخرج من سلطان الطواغيت (قال الملأ الذين استكبروا من قومه : لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا )..

وهنا صدع شعيب بالحق رافضاً هذا الذي يعرضه عليهم الطواغيت :

(قال : أو لو كنا كارهين؟ قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها )

ذلك ليعلم أصحاب الدعوة إلى الله أن المعركة مع الطواغيت مفروضة عليهم فرضاً ، وأنه لا يجديهم فتيلاً أن يتقوها ويتجنبوها . فالطواغيت لن تتركهم إلا أن يتركوا دينهم كلية ، ويعودوا إلى ملة الطواغيت بعد إذ نجاهم الله منها . وقد نجاهم الله منها بمجرد أن خلعت قلوبهم عنها العبودية للطواغيت ودانت بالعبودية لله وحده !

فلا مفر من خوض المعركة ، والصبر عليها ، وانتظار فتح الله بعد المفاصلة فيها؛ وأن يقولوا مع شعيب : (على الله توكلنا . ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) ..

ثم تجري سنة الله بما جرت به كل مرة على مدار التاريخ .

سيد قطب – في ظلال القرآن