الخوف في حياة الداعية

أهداف الدَّرس:

1- التعرّف على معنى الخوف المقصود وحقيقته وآثاره.

2- الاطّلاع على عدد من الدوافع الكامنة في الإنسان الباعثة على الخوف.

3- معرفة أبرز الطرق لمعالجة الخوف واقتلاعه من النَّفس.

مقدِّمة:

قد يُبتلى المجاهد في سبيل الله ببعض الأمراض النفسيّة والخلقيّة الخطيرة، فلو تركها تثبت جذورها في نفسه لتملّكته بعد حين، وقضت على كلّ بارقة رحمانيّة فيه، قد تساعده على تحسين تديُّنه وسلوكه وعمله. ومن هذه الأمراض، الخوف، الذي قد يدفع الإنسان إلى ارتكاب الكثير من المساوئ، والابتلاء بالتقصير في أداء تكليفه.

ماهو مفهوم الجبن؟

من الرَّذائل الأخلاقيّة صفة الخوف، وهو الخوف غير المنطقي والذى يفضى بصاحبه الى القعود، ويقابله الشجاعة والجرأة. وهي صفة تورث الإنسان المذلّة والمهانة وسوء العيش، وتحطّ من منزلة صاحبها، وتؤدّي إلى هدر طاقاته، وتفضي إلى أن يتسلّط عدوُّه عليه. والمجتمع الذي يتّصف أفراده بهذا الخوف يكون مجتمعاً خنوعاً ذليلاً خاضعاً لسياسة الظالمين، غير قادر على مواجهة التحدّيات الكبرى وتقديم الحلول الناجعة، ولا يُرجى له الرقيّ والتكامل في كافة مجالات الحياة، ويكون بعيداً عن تحقيق الأهداف الإلهيّة الكبرى من قبيل بسط الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. والمراد بالخوف هنا هو الخوف غير المنطقي من المواقف أو المظاهر التي لا تستبطن خطراً حقيقياً، بل يتصورها الإنسان الخائف ويتوهم أنّها أمور خطيرةٌ، مع أنّها ليست كذلك.
هام :وهذا بخلاف الخوف من الأمور التي تتضمن خطراً واقعياً على حياة الإنسان أو أنّها يمكن أن تسبّب الضرر والأذى له، فإن الاندفاع نحو هذا النَّوع من المخاطر دون تفكيرٍ ورويَّةٍ، يوقع الإنسان في مفسدةٍ أخرى لا تقلُّ خطراً عن الجبن، وهي التهوّر، وهو القائل في كتابه العزيز: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾

دوافع الخوف:

1- ضُعف الإيمان وسوء الظنّ بالله: لأنّ الشَّخص الذي يعيش الإيمان بالله والثّقة به، وينطلق في حياته من موقع التوكُّل على الله والتصديق بوعده لن يذوق طعم الذّلة والمهانة والضعف، ولن يتردّد أو يخاف أمام الحوادث الصعبة، ولن يتزلزل أمام التحدّيات، ولن يهاب أحداً من الأعداء لأنّه يرى أن قدراتهم محدودة ولا تعادل شيء أمام قدرة الله المطلقة. فعن أمير المؤمنين على بن ابى طالب: “إن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظنّ بالله”

2- ضعف النَّفس: من أهم خصائص الإنسان الجبان ضعف نفسه وعجزها عن مواجهة الصعاب والتحديات المختلفة، لذا نراه يلجأ دائماً إلى التذرّع بالأعذار الواهية هرباً من المسؤوليات أو الواجبات المطلوبة منه. عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب: “شدّة الجبن من عجز النَّفس وضعف اليقين”

3- الجهل وقلّة المعرفة: حيث غالباً ما يسبب للإنسان الخوف الموهوم، كما يلاحظ في حالة خوف الإنسان من الموارد التي لا يعرفها جيّداً. أمّا عندما تتضح له الصورة جيّداً فإن حالة الخوف ستذهب من نفسه تدريجياً.

4- طلب الراحة والعافية: وهو من أحد الأسباب التي تكون منشأً للخوف غير المبرّر، لأنّ خوض أي معترك يتطلب من الإنسان أن يُقحم نفسه في دوامة من المشاكل والصعاب، ما يعني أن يتخلى عن حظوظه من الراحة.

5- الآثار الناجمة عن خوض تجارب مؤلمة: فالحوادث المُرَّة غالباً ما تترك في نفس الإنسان حالةً من الخوف والرُّعب لأنّها تترسّخ في ذهنه وتحول دون إقدامه على خوض تجارب جديدة.

6- الإفراط في توخّي الحذر: إن الإفراط في سلوك طريق الحذر من شأنه أن يورث الخوف أيضاً لأنّه يدفع بالإنسان إلى توقّي كلّ ما يحتمل فيه الخطر، فيعيش التردّد والخوف من الإقدام دائماً.

علاج الخوف:

إنّ أحد الطرق لعلاج هذه الرذيلة الأخلاقيّة كما في سائر الرَّذائل الأخرى:-

• هي التفكُّر في آثارها السلبيّة وعواقبها الوخيمة على صعيد الفرد والمجتمع. فعندما يتعرّف الإنسان على الآثار السلبيّة للخوف الموهوم وما يترتب عليه من مذلة وحقارة وتخلف وحرمان، فإنّه سيتحرّك حتماً لإزالة هذه الرذيلة من نفسه.

• أمّا الطريق العملي لعلاج هذه الآفة فهو بالسعي إلى قطع كلّ دوافع وجذور هذه الرذيلة من النَّفس. فعندما تزول السحب المظلمة لسوء الظنّ بالله من سماء القلب، وتشرق شمس الإيمان والتوكل على الله في فضاء الروح الإنسانيّة، فإن ظلمات الخوف الموهوم ستزول بسرعة من النَّفس.

• ومن الطرق الأخرى المفيدة في العلاج أيضاً، هي بأن يورّط الإنسان نفسه في الميادين المثيرة للخوف والوحشة، ويعمل على إقحام نفسه فيها مرَّات عديدة، ومع تكرار التجربة سيزول الخوف من النَّفس حتماً. ونجد هذا المعنى بصورةٍ جميلةٍ في كلمات أمير المؤمنين على بن ابى طالب حيث يقو ل: “إذا هبت أمراً فقع فيه، فإن شدة توقّيه أعظم مما تخاف منه”.

أسلوب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بثّ الشجاعة:

صلى الله عليه وآله وسلم”اتفق المشركون أثناء رجعوهم من معركة أحد على أن يعودوا ليفاجئوا المسلمين فيقضوا عليهم. وعندما سمع نبي الإسلام بذلك اتخذ موقفاً مهماً جداً، حيث أمر جيش الإسلام بالخروج لمواجهة جيوش الأعداء ولم يستثن أحداً من المسلمين حتّى من به جراحة بسبب المعركة الدامية الّتي جرت قبل قليل. هذا الأمر النبوي اثّر أثره بشكل كبير وأحلّ الرعب والخوف والاضطراب في صفوف الأعداء بحيث إنهم رجّحوا الاكتفاء بالانتصار النسبي والعودة إلى مكّة على الهجوم الثاني على المسلمين، وهكذا تخلّص المسلمون من شرّهم. والآية محل البحث تشير إلى هذا المعنى وتثني على شجاعة المسلمين وتقول:﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ا لْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾6. ثمّ تتحدث عن إيمانهم وشجاعتهم واصفة حالتهم المتماسكة في مقابل الارهاب الاعلامي للأعداء الّذي يتحرّك من موقع التهويل والتخويف وتقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاس إِنَّ النّاس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

وهذه هي الحادثة الأولى من نوعها في تاريخ الحروب البشريّة حيث لم يشاهد في تاريخ البشرية أنّ المجروحين يعودون فوراً إلى ميادين القتال ليساهموا في دفع خطر الأعداء، أجل إن هذه الشجاعة والشهامة الفريدة هي التي أجهضت مؤامرة العدو، وهذا الحضور القوي والسريع إلى الميدان هو الّذي زرع اليأس في قلبه.

وعلى أية حال فإنّ واقعة “حمراء الأسد” كانت ظاهرة عجيبة بدّلت حلاوة النصر لدى قريش إلى مرارة، وبيّنت لهم أنّ المسلمين بالرغم من هزيمتهم بسبب زيغ جماعة منهم، إلاّ أنّهم مازالوا ثابتين في الميدان وأنّ على العدوّ أن يتوقّع ضربات المسلمين في المستقبل.

وبهذا أثّرت هذه الواقعة ليس فقط في التصدي لهجوم الأعداء ودفع الخطر، بل في وضع الأساس لانتصارات لاحقة، وتطهير ما علق في النفوس من آثار سلبيّة للانتكاسة في أُحد، ومنح المسلمين الأمل في حياتهم الجديدة بالتوكل على الله تعالى.

ويستفاد من الآية الشريفة أعلاه أنّ عملية الإرهاب الإعلامي الّذي قام به بعض الشياطين لبث الرعب والخوف في قلوب المسلمين من جيوش قريش، ليس فقط لم يؤثّر في زعزعة إيمانهم وثقتهم بالله تعالى وبالإسلام، بل ازداد إيمانهم واشتدّت ثقتهم بالله وتوكّلهم عليه، كلّ ذلك كان بسبب أنّهم كانوا يعيشون الثّقة بوعد الله وصدق النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأنّهم لو عملوا بإرشادات النَّبيّ في واقعة أُحد فإنّ النصر سيكون حليفهم لا محالة.

ومن عجائب هذه الواقعة هو أنّ النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمر المسلمين الّذين اشتركوا في أُحد فقط بالحضور إلى “حمراء الأسد” دون غيرهم، لكي يفهم العدوّ أنّ جيش المسلمين في أُحد مازال قوياً رغم وجود الكثير من الجرحى في صفوفه، وما زال مستعداً للقتال دون ضعف وفتور رغم استشهاد العديد من أبطاله وأفراده، وهذا هو الّذي أخاف الأعداء وزرع الخوف والقلق في قلوبهم”

المفاهيم الرئيسة:

1- من الرَّذائل الأخلاقيّة صفة الجبن،هو الخوف غير المنطقيّ الذى يؤدى للقعود والذي يقابل صفة الشَّجاعة والجرأة.

2- من دوافع الجبن، ضعف الإيمان وسوء الظنّ بالله، وضعف النَّفس، والجهل وقلَّة المعرفة، وطلب الرَّاحة والعافية، والآثار النَّاجمة عن خوض تجارب مؤلمة، والإفراط في توخي الحذر.

3- إنَّ أحد الطُّرق لعلاج هذه الرَّذيلة الأخلاقيّة كما في سائر الرَّذائل الأخرى هي التفكُّر في آثارها السلبيّة وعواقبها الوخيمة على صعيد الفرد والمجتمع ومن ثم العمل على خلاف ما تأمر به النَّفس من القعود والخنوع.