الشعور العام بقضايا الأمة مطلب إسلامي

إحياء الشعور العام بقضايا الأمة مطلب إسلامي تبنته وعملت لتحقيقه دعوة الإخوان المسلمون

قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة:71.

جاء في تفسير القرآن العظيم لابن كثير(4/ 174):

لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ الذَّمِيمَةَ، عَطَفَ بِذِكْرِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَحْمُودَةِ، فَقَالَ: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أَيْ: يَتَنَاصَرُونَ وَيَتَعَاضَدُونَ، كَمَا جَاءَ فِي الصحيح: “المؤمن للمؤمن كالبنان يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا” وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سائر الجسد بالحمى والسهر”.

وجاء في صحيح مسلم (4/ 1999)

عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»

وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.

قال محمد فؤاد عبد الباقي في شرحه: هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه.

وقال: (تداعى له سائر الجسد) أي دعا بعضه بعضا إلى المشاركة في ذلك، ومنه قوله تداعت الحيطان أي تساقطت أو قربت من التساقط.

ومما سبق يتأكد أن من المفاهيم الأساسية للمسلم أنه لا يعيش بمعزل عن قضايا أمته، فالتعاضد من صفات المؤمنين، والإحساس بآلام الأمة والمشاركة في رفعها من صفات المؤمنين.

وقد أكد الإمام الشهيد البنا –رحمه الله- على هذا المعنى، فقد حرص على ألا تكون حركته إقليمية في حدود القطر المصري، بل كانت عالمية بعالمية الدعوة الإسلامية؟ لذلك وجدناها تمتد في الأربعينات لتشمل العالم العربي كله، ولتنطلق بعد ذلك في أقطار العالم الإسلامي مركزة علم الدعوة في كل مكان. وكان الإمام البنا -رحمه الله- يرسل المبعوثين إلي أقطار العالم يتفقدون أحوال المسلمين وينقلون إلى القاهرة صورة عن واقع العالم الإسلامي. وكان المركز العام بالقاهرة ملتقى أحرار المسلمين في وقت كانت فيه معظم أقطار العالم الإسلامي رازحة تحت الاحتلال الأجنبي. فمن رجال حركات التحرير في شمال أفريقيا، إلى أحرار اليمن، إلى زعماء الهند وباكستان وأندونيسيا وأفغانستان، إلى رجالات السودان والصومال وسوريا والعراق وفلسطين..

وكان للقضية الفلسطينية عناية خاصة لدى الإمام البنا، وكانت له نظرة ثاقبة في موضوع الخطر اليهودي، وكان الإخوان المسلمون منذ بداية الثورات الفلسطينية عام 1936 هم دعاة التحذير والتحرير في العالم العربي. ولما دخلت الجيوش العربية فلسطين عام 1948 خاض الإخوان المسلمون الحرب في كتائب متطوعة عبر الجبهة الغربية من مصر والشرقية من سوريا، وأبلوا فيها أحسن البلاء.

وقد دفع ثمن الإصرار على القيام بهذا الواجب، فبعد ذلك مباشرة صدرت الأوامر من الدول الغربية الكبرى للحكومة المصرية بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال رجالها العائدين من القتال، وذلك بعد النكبة وتوقيع الهدنة. وأبقى الإمام البنا وحده خارج السجن، ليجري اغتياله من قبل زبانية فاروق في أحد شوارع القاهرة يوم 14 ر بيع الثاني 1368 هجرية، 12 شباط ( فبراير ) 1949 ميلادية.

وفي اجتماع رؤساء المناطق ومراكز الجهاد المنعقد بالقاهرة في 3 شوال سنة 1364 هـ الموافق 8 سبتمبر سنة 1945 م ذكر مقاصد الدعوة ووسائلها العامة فأكد على أن اهتمام الإخوان بقضايا أمتهم هو من صلب دعوة الإخوان المسلمون لأن هذه هي طبيعة الإسلام، فقال في البند الخامس:

(5 – وإذا كانت هذه الأهداف جميعا لا تتحقق إلا في ظل الدولة الصالحة، وقد عرفته الأيام ألوان الحكومات التي تقوم علي غير النظام الإسلامي فإذا هي جميعا لا تزيد الأمر إلا شدة مع أن دستور البلاد الذي ارتضته نظاما لنفسها يعلن في المادة (149) منه “أن دين الدولة الإسلام، ولغتها الرسمية اللغة العربية”، فكان لا بد أن تطالبوا بحق الإسلام في إقامة الحكومة التي ترتكز على أصوله وأحكامه وتعاليمه، وشرط ذلك الحرية والاستقلال 1 ككامل فكان طبيعيا أن يكون من أهدافكم – كدعوة إسلامية صحيحة كاملة – تحرير وادي النيل والبلاد العربية والوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان أجنبي.

6 – ودعوة الإسلام الحنيف ليست قاصرة على شعب دون شعب أو قطر دون قطر فان الله يقول لنبيه (صلي الله عليه وسلم): {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} سبأ28 ويقول: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} الفرقان ا، ويقول: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } إبراهيم1، وذلك أول أساس روحي وعملي، وضع في هذه الأرض للوحدة العالمية التي يهتف بها الزعماء وتمهد لها المخترعات وتتجمع عليها أفكار الأرض وتتهيأ لها الشعوب والأمم في هذه الأيام، فمن دعوتكم أيها الأخوة الأحبة أن تساهموا في السلام العالمي وقي بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم على محاسن دينكم وتجلية مبادئه وتعاليمه لهم وتقديمها إليهم بعد هذا الظمأ القاسي الذي التهب به أكبادهم في هذه الحياة المادية الميكانيكية القاسية.

تلك هي مقاصد دعوتكم وأغراض هيئتكم، كلها من الإسلام الحنيف لا تخرج عنه قيد شعرة و{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} الأعراف43.

أما وسائلكم إلى هذه الغاية فهي وسائل الدعوة الأولى: نشر الدعوة للتبليغ وتربية النفوس على هذه التعاليم عمليا للتكوين، ووضع المناهج الصالحة في شؤون الحياة للتوجيه، والتقدم إلى الأئمة والهيئات النيابية والتنفيذية والدولية للتنفيذ، وفي أثناء ذلك من مهمتكم اسداء الخير والمعروف للناس.

هكذا كنتم منذ وضع الأساس الأول لدعوتكم في شهر ذي القعدة 1347هـ، 1928م، وعلى هذا ظللتم وثبتم وستظلون وتثبتون حتى يحقق الله وعده إن شاء الله).

وفي رسالة التعاليم التي خاطب بها الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمون ، الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم ، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها ، قال رحمه الله تعالى: (إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات الموجزة، وهى ليست دروسا تحفظ لكنها تعليمات تنفذ) ذكر في ركن العمل في البند الرابع:

4 – وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي – غير إسلامي – سياسي أو اقتصادي أو روحي.

فهذه واجبات الإخوان المسلمون العاملين، نسأل الله تعالى أن نكون ممن ينال ثواب المجاهدين بالإسلام في سبيل إحياء مجد أمتنا.