العلامة أبو الحسن علي الندوي

هو الشيخ العلامة أبو الحسن علي بن عبد الحي الحسني (نسبة إلى الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما) النَّدْوي (نسبة إلى ندوة العلماء)، الهندي الجنسية ، العالمي العطاء ، شيخ الأمة ، ولسانها الناطق بالحق .

وهو أحد مؤسّسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية ورئيسها الأوّل، عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكّة المكرّمة، أمين عام ندوة العلماء في الهند، عضو مراسل للمجمع العلمي العربي بدمشق واللغة العربيّة بالقاهرة، عضو المجلس التنفيذي لدار المصنّفين في أعظم كرّة، مؤسس المجمع الإسلامي بالهند

ولد بقرية (تكيّة كلان) من مديرية (رائي بريلي) قرب لكهنؤ، ونشأ في أسرة متديّنة متعلّمة، نبغ منها عدد من العلماء والدعاة، كان من أبرزهم أبوه الشيخ عبد الحي الذي يعدّ بحق (خلّكان الهند)

وهو صاحب (نزهة الخواطر وبهجة السامع والناظر) العالم المصلح والداعية المخلص، أستاذ التفسير والأدب في دار العلوم، وكانت أمّه (خير النساء) شريفة النسب، شاعرة عابدة حافظة للقرآن ومؤلّفة للكتب، وتولّى أخوه عبد العلي تربيته بعد وفاة والده عندما بلوغ التاسعة من العمر.حفظ القرآن في البيت وجوّده، تعاونه أمه.

درس العربيّة على خليل محمد اليماني، والأدب العربي على محمد تقي الدين الهلالي، بجامعة لكهنؤ، وأتقن الإنكليزيّة والفارسيّة، إلى جانب لغته الأورديّة، وقرأ التفسير على الشيخ أحمد بن علي في لاهور، أكمل تعليمه في دار العلوم بندوة العلماء، ودار العلوم في ديوبند، وجامعة لكهنؤ، وتلقى تربيته الروحيّة على الشيخ عبد القادر الرائي فورى. تأثّر بفكر الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وأحمد بن عبد الأحد السرهندي، وشاه ولي الله الدهلوي، وكان الشيخ محمد الياس من أعظم أساتذته.

عمل مدرّساً بدار العلوم في لكنهؤ مدّة عشر سنوات ، واشتغل بالصحافة، وساهم في تحرير مجلّة (الضياء) التي تصدر بالعربيّة، والتي ترأّس تحريرها مسعود الندوي، ثم ترأس تحرير مجلّة (الندوة العلميّة) التي كانت تصدر عن ندوة العلماء بالأورديّة، ثم أصدر (مجلّة التعمير) النصف شهريّة بالأورديّة، ويعتبر أحد رؤساء التحرير لمجلّة (معارف) الأكاديميّة التي تمثّل المسلمين في شبه القارّة الهنديّة.

وأسّس جمعيّة لنشر الإسلام بين الهنود، وتولّى رئاسة (جامعة دار العلوم –ندوة العلماء) وأنشأ المجمع الإسلامي (أكاديمية البحوث الإسلاميّة) سنة 1959 زار الأمصار والحواضر، وعاش صدر حياته في قصر صدّيق حسن خان العالم السلفي، الأمير الكبير، أسكنوه فيه بعد موت أبيه، فذاق حياة الترف والنعيم، ولكنه زهد فيها.

اشتغل بالدعوة مع جماعة (التبليغ الإسلامي) بعد لقائه بالشيخ محمد الياس.

أبو الحسن الندوي… سيرته العلمية

بدأ أبو الحسن الندوي تعلُّم العربية على يد الشيخ خليل بن محمد الأنصاري اليماني عام 1342هـ/ 1924م وتخرَّج عليه، كما استفاد في دراسة اللغة العربية وآدابها من عمَّيْه: الشيخ عزيز الرحمن، والشيخ محمد طلحة، والتحق بجامعة “لكهنو” بالهند في القسم العربي عام 1927م، وكان أصغرَ طُلاب الجامعةِ سِنًّا، والتحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1929م، ودرس اللغة الأردية وتوسع في آدابها، كما عكف على دراسة الإنجليزية والقراءة بها.

واستفاد الشيخ الندوي من الصحف والمجلات العربية الصادرة في البلاد العربية -والتي كانت تصل إلى أخيه الأكبر، أو إلى دار العلوم ندوة العلماء- مما عرَّفه على البلاد العربية وأحوالها وعلمائها وأدبائها ومفكّريها عن كثب. ويُذكر أنه أقام عند العلامة المجاهد حسين أحمد المدني عام 1932م في دار العلوم “ديوبند” عدة أشهر، وحضر دروسَه في “صحيح البخاري” و”سنن الترمذي”، واستفاد منه في التفسير وعلوم القرآن الكريم أيضًا. كما استفاد من الشيخ الفقيه الأديب إعزاز عليّ في الفقه، ومن الشيخ المقرئ أصغر عليّ في التجويد على رواية حفص.

وبدأ الشيخ أبو الحسن الندوي يتوسع في المطالعة والدراسة -خارجًا عن نطاق التفسير والحديث والأدب والتاريخ أيضًا- بداية من عام 1937م، واستفاد من كتب المعاصرين من الدعاة والمفكرين العرب، وفضلاء الغرب، والزعماء السياسيين.

من أثّروا في حياة الشيخ الندوي

وقد تأثر في حياته بالشيخ محمد إلياس الكندوهلي، مؤسس جماعة التبليغ والدعوة، والإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، كما تأثر الندوي أيضًا بالشاعر والمفكر الإسلامي محمد إقبال، والشيخ الرباني عبد القادر الرائيبوري.

ويتحدث عنه العلامةُ الشيخ محمد الغزالي فيقول:

(عندما قرأنا للداعية الإسلامي الجليل العلامةِ أبي الحسن الندوي رسائلَه التي سبقت مقدمَه إلى مصر، ثم عندما قرَّت عيونُنا برؤيته وطابت نفوسُنا بعِشرته ، تأكدت لنا هذه الحقيقةُ الكريمة وزِدنا بها إيماناً ، وهي أن الإسلام على اختلاف الأمكنة والأزمنة يصنع نفوسَ أتباعه على غرار واحد ، ويجعل المَشابِهَ قريبةً جداً بين نظرتهم إلى الأشياء وأحكامهم على الأمور) .

وفي دمشق كان قد التقى أيضاً كثيراً من الدعاة والمصلحين آنذاك ، كالشيخ مصطفى السباعي المراقبِ العام للإخوان المسلمين ، والشيخ أحمد كفتارو و محمد المبارك و عمر بهاء الدين الأميري وغيرهم رحمهم الله تعالى جميعاً .

وكان الشيخُ كفتارو يُكِنُّ له مَودَّةً كبيرة ، ويبدو أن العلامةَ الندوي عاتبه على صلته بالمسئولين الحكوميين الفاسدين ، فدافع الشيخ كفتارو عن ذلك بأنه يريد أن يستفيد منهم لصالح المسلمين قدر الإمكان .

قال عنه د. مصطفى السباعي: “الندوي.. ذخرٌ للإسلام ودعوته، وكتبه ومؤلفاته تتميز بالدقة العلمية، وبالغوص العميق في تفهم أسرار الشريعة، وبالتحليل الدقيق لمشاكل العالم الإسلامي ووسائل معالجتها”.

وقال عنه المفكر الشهيد سيد قطب: “الندوي.. رجل عرفته في شخصيته وفي قلمه، فعرفت فيه قلب المسلم، وعقل المسلم، وعرفت فيه الرجل الذي يعيش بالإسلام وللإسلام، على فقه جيد للإسلام.. هذه شهادة لله أؤديها”.

وقال عنه الشيخ عبد العزيز بن باز: “الندوي.. العلامة المفضال”.

وقال عنه الشيخ محمد الغزالي أيضاً : “هذا الإسلام لا يخدمه إلا نفس شاعرة محلِّقَة، أما النفوس البليدة المطموسة فلا حظَّ لها فيه… لقد وجدنا في رسائل الشيخ الندوي لغةً جديدةً، وروحًا جديدةً، والتفاتًا إلى أشياء لم نكن نلتفت إليها”.

وكان مما يميز العلامةَ الندوي قُربُه من جميع التيارات الإسلامية المعاصرة ، وصِلتُه الوثيقةُ بأعلامها ومُبَرّزِيها ، سواء منها السلفية أو الصوفية أو الإخوانية أو غيرها ، مما أتاح له أن يدرس مناهجها ويتعرَّف على أفكارها عن قرب ، وأن يتوصَّل في النهاية إلى التيار الذي رآه الأَصلحَ والأقدرَ على النهوض بالأمة من بين تلك التيارات ، فقال في مذكرات رحلته بعد بحثه الطويل :

(أصبحتُ أَعتقدُ بعد زيارة بعض البلاد العربية والاطلاع على أحوالها ، أن حركةَ الإخوان المسلمين إذا قَوِيَتْ وانتظَمَتْ على خطوط ثابتة ، هي المنقذُ الوحيد بحول الله تعالى للعالم العربي من الانحلال والاندفاع القوي إلى الهاوية ، لذلك أصبحتُ أُعَلِّقُ عليها أهمية كبيرة ، وأَحملُ لها بين جوانحي حُباً عميقاً) .

أَسَّسَ العلامةُ الندوي الكثيرَ من المؤسسات الإسلامية سواءً في الهند أو في العالم ، وحصل على كثير من عضويات الهيئات والمؤسسات الدعوية والعلمية والعالمية ، وكان من أبرز مُؤَسِّسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية واختير أولَ رئيس لها ، وترك ثروةً علمية كبيرة من المؤلفات الدعوية والفكرية والأدبية قاربت ثلاثمائة عنوان باللغة العربية فقط ، إذ كان رحمه الله يتقن إلى جانب اللغةِ العربيةِ الأورديةَ والإنجليزيةَ .

الجوائز التي حصل عليها الشيخ الندوي
حصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1980م، مُنح جائزة الشخصية الإسلامية في رمضان 1419هـ من حكومة الإمارات العربية، كما منحته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسسكو isesco) وسام “الإيسسكو” من الدرجة الأولى؛ تقديرًا لعطائه العلمي المتميز، وإكبارًا للخدمات الجليلة التي قدمها إلى الثقافة العربية الإسلامية في الرباط في 25 شعبان 1421هـ.

أهم مؤلفات الشيخ أبي الحسن الندوي
بلغ مجموع مؤلفاته وترجماته 700 عنوان، منها 177 عنوانًا بالعربية، وقد تُرجم عدد من مؤلفاته إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والبنغالية والإندونيسية وغيرها من لغات الشعوب الإسلامية الأخرى، ومن أبرزها: “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”، “مذكرات سائح في الشرق العربي”، “ربانية لا رهبانية”، “المد والجزر في تاريخ الإسلام”، “المسلمون في الهند”، و”رجال الفكر والدعوة في الإسلام”.

زهد الشيخ أبو الحسن الندوي
لقد كان الشيخ الندوي يرفض المكافآت التي تُعطى لأمثاله في مقابلة جهود يقوم بها، وهي مشروعة ويقبلها غيره من العلماء، ولكنه أَلَى على نفسه أن يقدِّم ما عنده من علم وجهد لله تعالى، لا لعَرَضٍ من الدنيا.
يُحكى أنه عندما دُعي إلى سوريا، أستاذًا زائرًا لجامعة دمشق، ولكلية الشريعة فيها خاصَّة، في عهد عميدها الداعية الفقيه الدكتور مصطفى السباعي، ألقى عددًا من المحاضرات المهمة العميقة، تعب عليها، وبذل جهدًا لا يُنكر في إعدادها، وكان لها تأثير عميق ووقع مشهود بين الأساتذة والطلاب، وكان موضوعها “التجديد والمجددون في تاريخ الإسلام”، وهي التي ظهرت بعد ذلك تحت عنوان: “رجال الفكر والدعوة في الإسلام”. وعلى عادة الجامعة صُرفت له مكافأة، كما تُصرف لكل الأساتذة الزائرين، وهنا كانت المفاجأة؛ فقد رفض الشيخ الندوي أن يأخذ مكافأة على محاضراته!! ولم يجد الإداريون والماليون في الجامعة حلاًّ إلا أن يتبرع به للطلاب الفقراء… وغير ذلك من الأمثلة الكثير.

وفاة الشيخ أبي الحسن الندوي

تُوُفِّي الشيخ أبو الحسن الندوي في يوم الجمعة، وذلك في شهر رمضان المبارك أثناء اعتكافه بمسجد قريته (تكية) بمديرية (راي باريلي) في شمال الهند سنة 1419هـ/ 1999م، وجرى دفنه مساء نفس اليوم، في مقبرة أسرته بالقرية في حضور الأقارب والأهالي، وبعض مسئولي ندوة العلماء، التي ظل مرتبطًا بها طيلة حياته الحافلة بالجهاد والدعوة، طوال 86 عامًا هي عمره رحمه الله. وقد توالت التعازي من مختلف أنحاء الهند والعالم، وأقيمت عليه صلاة الغائب في مختلف المناطق.