نكتب اليوم عن مأساة حلت منذ سنوات عديدة على أمة مسلمة. وللأسف، فالضوء ليس مسلطًا عليها. ويكاد المرء أن يعتصر حزنًا وكمدًا على حال تلك الأمة؛ فالتركيز على تلك القضية ضعيف جدًا بالرغم من هول الفاجعة هناك، فأعداء الإسلام قد نكلوا بها، وطال بهم الحقد على المسلمين أنهم أذاقوهم شتى ألوان العذاب من قتل، وتهجير، وتشريد، واعتقال، ومحاربة صريحة لدين الله. والواجب على كل مسلم أن يهتم بأمر إخوانه المسلمين في شتى بقاع الأرض، فلا وجود لحدود رسمها الغرب لتُفرق بين المسلمين وبعضهم البعض؛ فالمسلمون كلهم إخوة في العقيدة، والحدود مجرد تراب.

نبذة عامة عن صراع تركستان الشرقية

اسم تركستان الشرقية ينقسم إلى كلمتين: “ترك”، و”ستان”، ومعناها أرض الترك. يقول المؤرخ العربي ياقوت الحموي (1178–1228 م) في كتابه الضخم «معجم البلدان» واصفًا تركستان: “إن ما وراء النهر من أنزه الأقاليم، وأخصبها وأكثرها خيرًا، وأهلها يرجعون إلى رغبة في الخير، والسخاء، وسماحة بما ملكت أيديهم، مع شدة وشوكة ومنعة وبأس وعدة وآلة وسلاح، فأما الخصب فهو يزيد على الوصف ويتعاظم عن أن يكون في جميع بلاد الإسلام وغيرها مثله”.

خلال الحرب الداخلية الصينية، نالت تركستان استقلالها عام 1944 م، ولكنها عادت تحت قبضة الصين بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 م. فالصراع إذن ليس جديدًا؛ إنه بعد عام واحد من احتلال اليهود لفلسطين، فلماذا تلقى تركستان كل ذلك التهميش؟!

ومنذ ذلك العام والعذاب قائم على تلك الأمة؛ ففي عام 1949، قُتل من المسلمين هناك أكثر من المليون عندما استولى النظام الشيوعي على تركستان بقيادة «ماو تسي تونج». وفي عام 1952، أعدمت الصين أكثر من 120 ألف شخص معظمهم من علماء الشريعة. ومنذ العام 1949 حتى 1967، هدم الاحتلال الصيني 29 ألف مسجد في تركستان الشرقية. ومنذ بداية احتلال الصين لتركستان حتى الآن، قتلت منهم أكثر من 60 مليونًا.

ازدادت في الآونة الأخيرة شراسة الحملة الحكومية في الصين ضد المسلمين في تركستان الشرقية؛ فشملت الحملات هدم العديد من المساجد، وتحويل بعضها إلى خمّارات، بالإضافة إلى حملات الاعتقالات التي اعتقلت أكثر من 3 ملايين مسلم تركستاني، ووصل الجنون إلى أن تعطي الحكومة دروسًا في الإلحاد والشيوعية لسجناء المعتقل!

عدوى التطرف!

بحسب تقديرات مسئولين في الأمم المتحدة، يُحتجز ما يقرب من مليون مواطن صيني في معسكرات إعادة تأهيل. بدأت قصة المليون محتجز في مارس 2017، حين ازدادت عمليات الاحتجاز الجماعي للمنتمين إلى الأقليات العرقية من «الإيغور» و«الكازاخيين» في تركستان. لكن الحملة استهدفت على وجه الخصوص المسلمين الذين يمثلون الأغلبية داخل الإقليم؛ لأن الحكومة اعتادت إلقاء اللوم في حوادث العنف على المسلمين والانفصاليين الذين ينادون باستقلال الإقليم، خاصة وقد أعلن إقليم الإيغور الانفصال الذاتي عن الصين أوائل القرن العشرين، لكنها أعادت إحكام السيطرة بالكامل في عام 1949. وبالنسبة للحكومة الشيوعية، فقد أصيب المسلمون بعدوى التطرف، وكان لازمًا عليهم نقلهم إلى مراكز التأهيل للحد من عنفهم وتطرفهم!

شهادات من داخل مراكز التأهيل

China-1024x576

أدلى «خيرت سمركان» (30 عامًا) بشهادته لموقع «The Globe and Mail»، ولمنظمة العفو الدولية. إذ كان قد احتجز في أكتوبر 2017 بمعسكرات التأهيل، وأُطلق سراحه في فبراير 2018، وحكى في شهادته عن وقائع الاحتجاز. حيث يبدأ اليوم في السادسة صباحًا بالوقت المخصص لتنظيف أماكن النوم قبل الإفطار، من الثامنة إلى العاشرة يحفظ المحتجزون أغانٍ وشعارات شيوعية يعود بعضها إلى حقبة الثورة الشيوعية، ومن العاشرة حتى وقت الظهيرة يكتبون النصوص التي حفظوها. كانت فترة بعد الظهر مخصصة لدراسة سياسات الحزب الشيوعي ودعايته، إضافة إلى دروس عن خطر الإصابة بـ«العدوى». وفي الليل يكتب المحتجزون نقدهم الذاتي لأنفسهم، ويدوّنون كل شيء خطأ يرونه في أنفسهم، أو فكرة سلبية يملكونها عن الصين أو عن الشعب الصيني. في بعض الأحيان، وفقًا لشهادة سمركان، كانت السلطات تجري اختبارات غير عادية للمحتجزين المسلمين، بإطلاق صوت أذان الفجر في مركز إعادة التأهيل، واعتقال كل من يستيقظ على الصوت؛ إيمانًا من السلطات بأن استيقاظه دليل على ميوله الدينية!

في إحدى المرات، حاول سمركان الانتحار ليتخلص من عذابه، وضرب رأسه بالحائط مرارًا، لكنه لم يمت ونُقل إلى المستشفى للعلاج، ثم هددته السلطات بالحبس لثماني سنوات لو كرر فعلته. وقال إنهم «لن يسمحوا لك بالانتحار»، حتى الموت ممنوع في معسكرات التأهيل!

يقول «جيمس ميلوارد»، أستاذ التاريخ الصيني بجامعة جورج تاون، لصحيفة «The Atlantic» البريطانية: “يُنظر للاعتقاد الديني في الصين باعتباره مرضًا يجب التخلص منه، وتزعم بكين أن الدين هو الذي يغذي التطرف والانفصال، وهذا هو السبب الرئيسي وراء سعي الحكومة للقضاء على المظاهر الدينية”. استخدمت الحكومة الصينية ثلاثة اتهامات كمبررات لقمعها الهائل ضد الأويغور: “التطرف” و”الإرهاب” و”الانفصالية”.

وبحسب موقع صحيفة The Independent البريطانية، أفاد مسلمون بأنهم اُجبروا على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

9 سنوات سجن لتعليم القرآن للأطفال

هذا هو عنوان الخبر الذي نُشر في إذاعة آسيا الحرة، أن محكمة صينية في قرية آيكول التابعة لمدينة آقسو قد حكمت على الشيخ عزيز أحمد بالسجن تسع سنوات بتهمة تعليم الأطفال تعاليم الدين والقرآن الكريم بدون إذن مسبق من السلطات الشيوعية.

المتاجرة بأعضاء السجناء في تركستان الشرقية

في عام 2015، أعلن بكين التوقف عن استخدام أعضاء السجناء المحكوم عليهم بالإعدام في زراعة الأعضاء، ولكن حقيقة الأمر أن الصين لم تتوقف عن ذلك، وقد جاء في تقرير عن منظمة العفو الدولية أن رفض الصين الدائم إلغاء عقوبة الإعدام يرجع إلى ربحها من تجارة أعضاء السجناء. وأشار التقرير إلى أن الصين  تأتي في المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر تنفيذًا لأحكام الإعدام في عام 2016. وقد أفاد الباحث في مجال زراعة الأعضاء «دان تشانغ» في حديث (للجزيرة.نت) أن نحو 70% من الأعضاء المزروعة في الصين قد جُلبت من سجناء محكوم عليهم بالإعداء. وأكد أنه حتى عام 2015 شارك أكثر من 350 مستشفى في الصين بتجارة الأعضاء، وأن تكلفة العملية الواحدة تتجاوز الخمسين ألف دولار.

كيف يمكن وصف ذلك الظلم والطغيان الموجه لشعب تركستان من ملاحدة الصين: أن تُشرد وتُمنع من إقامة شعائرك الدينية، وتُجبر على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، وتُوصف بمريض نفسي يحتاج لإعادة تأهيل، وتُعتقل ويُحكم عليك بالإعدام، ثم يأخذوا أعضاءك للتجارة بها.

مستقبل أطفال المعتقلين

فتحت الصين ملاجئ سمتها (ملجأ الملائكة)، تضع فيها الأطفال والقاصرين الذين سُجن كلا أبويهما. في أحد هذه الملاجئ بمدينة كيريا بمحافظة خوطن يتواجد 3000 طفل، يتعلمون هناك الشيوعية والإلحاد. إنها حرب طويلة النفس للقضاء على الفطرة ومحو تعاليم الإسلام، واستبدالها بقوانين ماركس ولينين.

منع الشعائر الدينية في تركستان الشرقية

اتخذت السلطات الصينية قرار منع مسلمي تركستان الشرقية من الصيام، حيث أرسلت بيانًا يحذر الموظفين وطلاب المدارس ومعلميهم من صيام شهر رمضان. كما منعت السلطات الصينية المسلمين في تركستان الشرقية من الاحتفال بعيد الأضحى هذا العام.

الاضطهاد خارج حدود تركستان

images-1

فر العديد من الطلاب إلى مصر للدراسة في جامعة الأزهر، لكن الحكومة المصرية اعتقلت العشرات من الطلاب في عام 2017، بعد طلب السلطات الصينية عودة الطلاب من الخارج. ويقول الطلاب التركستانيون إن الحكومة الصينية هددتهم باعتقال ذوييهم في حالة عدم عودتهم، وهذا ما حدث فعلًا. وواجهوا عند عودتهم تهمًا بنشر أفكار إرهابية، وعُوقِبوا بالسجن لمدة 15 عامًا. في مكالمة مع أحد الطلاب الذين نجوا من عمليات الاعتقال، والذي فضل عدم نشر اسمه خوفًا على حياته وأسرته التي تعيش معه، قال: “أتينا إلى هذا البلد الغالي وأهله على قلوبنا طالبين السلام والأمن فقط بعد أن سلبت حقوقنا، أحببناه وتعلمنا ديننا الذي اضطهدنا بسببه في الأزهر الشريف بيتنا وحاضنتنا، لم نكن نتخيل يومًا أن تتم خيانتنا بهذا الشكل وتسليمنا إلى حتفنا، أرجوكم لا تتركونا لهمَ أرجوكم لم يتبق لنا سوى أنتم”.

كان إزامًا على كل مسلم أن يهتم بتلك المعاناة المستمرة التي تزيد يومًا عن يوم؛ لإنقاذهم من جحيمهم. إن سياسات الحزب الشيوعي في تركستان تُزيد من معاناة شعبه، والله غالب على امره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج 40).