مما يسر المؤمن امتلاء المساجد بالمصلين في الجمع ورمضان، وكثرة اهتمام المسلمين بقضايا أمتهم وإخوانهم في بلادهم وغير بلادهم، والذين تربطه بهم رابطة العقيدة والإيمان، وكذلك انتشار مظاهر التدين في جنبات المجتمع.

ولكن مع ذلك يشعر الجميع أن هناك فجوة بين الرغبة في الخير والنية الطيبة لدى القطاع الأكبر ربما في مجتمعاتنا وبين تغير واقعنا للأفضل والأحسن في مجالات كثيرة، إذ التقدم والتطور يسيران ببطء أو لا يتحركان إن لم يكن يتراجعا!

وهذا ينقلنا للبحث في لب المشكلة، لماذا لا ننجح في تحويل الرغبة بالنجاح والتقدم والتطور إلى حقيقة متجسدة في واقعنا؟

أظن أنه يمكن لنا أن نجد الجواب في أثر للصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، حين قال جملة ذهبية: “كم مِن مُريد للخير لن يصيبه”! إذ رغبة الخير لوحدها لا تكفي، بل لابد مع الرغبة من همّة وعمل أولا، ولا بد لهذه الهمّة والعمل من أن يكونا سليمين وصحيحين بذاتهما.

فنجاح أبنائنا في دراستهم يرتبط ببذلهم الجهد المطلوب من المتابعة لشرح المعلم والمذاكرة والمراجعة في البيت، ولكن هذا الجهد إن لم يكن بطريقة صحيحة وسليمة ستكون النتائج غير مفرحة عقب الامتحانات وعند تسلم النتائج.

وهذا هو ما نعانيه في الحياة العامة من وجود الرغبة في التغيير والتقدم ويتحدث عنها الجميع تقريبا، لكن هل هي رغبة صادقة منهم؟

الصادقون في نيتهم للتغيير والتحسن لأنفسهم وأمتهم لا يكتفون بالرغبات والشعارات، بل يقرنون ذلك بالعمل والسعي وبذل الجهد، وهنا تقل النسبة كثيراً جداً بين الناس، ولعل استحضار نسبة من يعلنون نية ترك التدخين ممن تعرف مع نسبة من حاول فعليا يكشف لك حجم الفارق الرهيب بين رفع الشعارات ومحاولة تطبيقها.

وهذه النسبة القليلة ممن يحاولون العمل أو يعملون فعلا، تثير التساؤل: هل هم يقومون بالعمل على وجهه الصحيح وبالطريقة السليمة؟ هنا سنجد أن النسبة تنخفض من جديد بشكل كبير أيضاً، وراقب ذلك في حياتك: كم معلما أو معلمة تتذكرها بحسن التعليم من بين عشرات المعلمين والمعلمات الذين مررت بهم في سنوات دراستك من الروضة وحتى الدراسات العليا، وكذلك كم إماما وخطيبا ترك بصمة في حياتك بحسن إتقانه لوظيفة الأنبياء بالدعوة والبلاغ؟

وعلى غرار هذه النماذج تفحص من حولك من نواب وإعلاميين ونقابيين ووجهاء و…، هل يكتفون بالشعارات ونية الخير والتغيير؟ هل يعملون من أجل شعاراتهم البراقة؟ هل يعملون ذلك بشكل سليم وصحيح؟

ولقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم ندرة هذه الفئة الخيرة في المجتمعات، ولكنها هي التي يعول عليها فقال: “إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة” رواه البخاري. والسعيد من وفّقه الله عز وجل ليكون من هؤلاء الذين يعملون لتحقيق شعارات الخير والتقدم بشكل سليم في واقع حياتهم الشخصية على الصعيد الديني والاجتماعي والوظيفي مما ينعكس تلقائيا على العمل السليم والصحيح تجاه قضايا أمتهم.

وحتى تتغير مجتمعاتنا يلزم أن يكثر من عمل للخير والتقدم بشكل سليم وصحيح وأن ندعم هذه الجهود لتصل لعتبة التغيير الحقيقي في الواقع مع ملاحظة تكامل هذه الجهود، لا تصادمها، لتتراكم كميّا بحسب حجم المجتمع وواقعه قرباً وبعداً عن الوضع المنشود، وتحتاج إلى وقت حتى تثمر هذه الجهود وتظهر وتتفتح زهورها أولاً ثم تنضج ثمارها لاحقاً.