الوَقفُ في ظل المحنة

بقلم / عماد الدين محمود

– من المعاني الهامة التي تعلمناها داخل دعوة الإخوان المسلمين معنى ( الوقف ) ، بمعنى : أن يقف الأخ المسلم حياته كلها لله فيقف جسده ووقته وماله وأهله وكل ما يملك لله سبحانه وتعالى ، فلا تكون سكنة ولا حركة إلا وهي لله ولدين الله وللدعوة إلى الله .

– فالأخ المسلم هو وريث النبوة ، وهو حامل الرسالة بفقه ربعي بن عامر : ” الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ” .
هذا الفقه يقتضي عملاً وجهاداً وتضحيةً ( وهي ثلاثة من أركان البيعة ) في أوقات الرخاء والأهم في أوقات المحنة وأوقات الفتنة ، كما يقتضي سعة أفق ورحابة صدر وتخلق بأخلاق العاملين .
كما يقتضي ثباتاً ( وهو ركن من أركان البيعة ) ومداومة على العمل في سبيل هذا الدين فلا يحجز الأخ خوف ولا رهبة ولا زلزلة ، ولا فتنة ، ولا اختلاف رؤية حول منهجية الإصلاح ، ولا اعتراض على خطأ للرفاق والإخوان .
المشكلة الرئيسية التي يعاني منها كثير من أبناء دعوتنا النقية الصافية هو الغفلة عن هذا المعنى فتجد الأخ الذي عاش حياته كلها ومناخاته التربوية وهو يترسخ فيه معنى الوقف ومقتضى كل أركان البيعة

– ثم إذا به مع هذه المحنة يقعد في بيته تحت مبررات كلها تتناقض مع ما عاشه .
1- مبرر اختلاف القادة والمديرين ، الذين هم إخوانك ورفاق دربك ، والحل ليس في أن تقعد ، الحل هو في أن تأخذ على يدهم بالرفق والرحمة والشفقة والنصيحة في الله ، ثم تسير في الطريق ولا تتوقف ، من أعطاك الحق لتتخذ هذا مبرراً للقعود عن العمل والجهاد !

2- مبرر الخوف من الأمن ، أين أنت إذن من قول الله سبحانه : ” ولنبلونكم بنقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وبشر الصابرين ) ، وأين أنت من أصعب ما مر على الأمة الإسلامية في تاريخها كله ، وكان كفيلاً بوأدها ( يوم الأحزاب ) ، وهو اليوم الذي لا أخال الأمة الإسلامية كلها مر عليها أصعب منه ، ثم لما علم الله سبحانه إخلاص حاملي الرسالة وجهدهم وفراغ جعبتهم من الأسباب بعد أن استنفذوا جهدهم ، إذا به يكشف الغمة وينصر المؤمنين ويمزق شمل الكافرين .
ثم متى كان الخوف من بشر مقعداً للعاملين لدين الله ، الذين في عنقهم بيعة لله ولخدمة دين الله ! أين شعاراتنا : ( من كان الله معه ، فمن يكون عليه ) ! متى كان أصحاب الهمة العالية يخافون ، أو توقفهم ضغوطات الأمن !

3- مبرر انتظار وضوح الرؤية ، وماذا سيفعل القادة والمديرون ، وما هو توجه الدعوة !

– وما الذي تريده أيها الأخ العامل من قيادتك أو توجه دعوتك ، أولست تعلم بمراتب العمل ( الفرد المسلم – البيت المسلم – …. الخ ) ، أولست تفقه أركان بيعتك ، أو لم تعلم بالدعوة الفردية ، أو لم تسمع بـ ( واعتصموا ) مجال العمل كثير ولا ينتظر توجيهاً ولا أوامر ، فلتكن إيجابياً وذاتياً ، ثم إن الجماعة هي بنا كلنا ، وتوجهات القادة والمديرين لا تصاغ إلا بمشورتك ونصيحتك ، فلا تتردد أو تنتظر .

* المطلوب إذن : أن يتذكر الأخ أنه قد وقف نفسه وحياته وماله وكل ما يملك لله ولدعوة الله ، فيعمل في طاعة الله وتوثيق صلته بالله ، ثم ينتفض ولا يكونن من القاعدين ، ويتخلق بأخلاق المجاهدين فيعمل ويجاهد ويضحي ولا يتوقف أبداً , ويفكر لدعوته ويخطط لها ويعمل ذهنه لأجلها ، ويفكر في كل صغيرة وكبيرة من شئون دعوته وجماعته ، فيفكر في كيف يعصم الصف من الخلاف ويوحد الجهود ، ويفكر في حل المعضلة والمشكلة والمطلوب للقضاء على هذه المحنة ، ويفكر في حلٍ لقضية المعتقلين واستنقاذهم من الأسر بكل ما يتاح من سبيل ، ويفكر في عوائلهم وأسر الشهداء ورعايتهم وحل مشاكلهم والاهتمام بشئونهم .
المطلوب من الأخ أن يفكر في إخوانه من حوله ، ثم يترجم التفكر إلى عمل فيتفقد القاعد وينبهه ، ويشجع الخائف ، ويعالج هموم المحزون ، ويقمع شبهات المعترض …

– المطلوب من الأخ أن يفكر في أبناء إخوانه من الشباب ومن الناشئة ، ثم يترجم الفكر إلى عمل فيحوطهم ويبذل من أجلهم ويرعاهم ويجمعهم ويثقفهم ويربيهم .. ليس وحده .. ولكن بإخوانه من حوله .

المطلوب من الأخ أن يفكر فيما حدث بين أبناء دعوته من شقاق ، فيجمع ويؤلف بين القلوب ويسعى للاعتصام ولم الشمل وقطع كل ما من شأنه أن يفرق بين العاملين المصلحين المخلصين .

– فيا كل من تقرأ هذه الكلمات ، أسألك وإجابتك لنفسك : هل أنت واقف نفسك لله تعالى ولدين الله ؟ فإن كنت كذلك فماذا تقدم لخدمة دين الله ؟ عرفت فاجهد واسلك وابذل ، وهذا هو الطريق .

– أذكر في أحد معسكرات التصعيد لأحد المستويات التربوية داخل الإخوان أن الأخ المسئول سألنا سؤالاً : هل تعلم ضريبة هذا الطريق ؟ إن ضريبة هذا الطريق هي في حبل مشنقة أو طلقة رصاصة أو سجن مدى الحياة ؟ فهل أنت مستعد …

كانت هكذا الكلمات واضحة وقاطعة ، ووافقنا وصعدنا ووقفنا أنفسنا لله مستوعبين وراضين … فلما حانت المحنة وأزفت الآزفة نقعد ونكسل ونحيد ؟ هيهات هيهات هيهات … لا ينقص الدين وأنا حي ، لا تهزم دعوتنا وفي عين ترمق … هكذا ينبغي أن نكون … ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة ، فهل من مشمر لها ؟