بإمكاننا أن ننهض

بقلم / عصام العطار

في 8/5/1985م مرّ أربعون عاماً على انهيار ألمانيا وسقوطها واستسلامها التاريخيّ الذي انتهت به الحرب العالميّة الثانية في أوروبا

ولكنّ ألمانيا التي انهارت وسقطت واستسلمت واحتُلّت أراضيها، وحُوكم قادتها وحُكموا كمجرمي حرب، وأدينت بكلّ ضرب من ضروب الإدانة القانونيّة والأخلاقيّة.. لم تلبث أن نهضت من تحت أنقاض هزائمها العسكريّة والسّياسيّة والمعنويّة، وأنقاض قِيَمِها ونُظُمِها الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتّربويّة، وأنقاض مدنها ومصانعها وبيوتها ومرافقها العامّة والخاصّة، وركامِ مصائبها ومشكلاتها التي تستعصي على الحصر.. وأصبحت في سنوات مَعدودة أهمّ دولة في أوروبا، وواحدةً من أهمّ دول العالم في الصّناعة والتّجارة والاقتصاد والتّقدّم العلميّ والاجتماعيّ، وفي دورها وأثرها الملحوظ في العالم والعصر

إنّها الإرادة الإنسانيّة المصمّمة، والوسائل والأسباب المناسبة الموصلة، والعمل الجدّي البصير المستمرّ

وألمانيا تذكّرنا من هذه الناحية باليابان التي يمرّ على هزيمتها واستسلامها أيضاً أربعون عاماً في 15/8 من سنة 1985م

لقد نهضت اليابان أيضاً من تحت أنقاض هزائمها وكوارثها ودمارها الماديّ والمعنويّ، ومن تحت أنقاض القنبلة الذريّة في هيروشيما، والقنبلة الذريّة في ناجازاكي؛ لتصبح -رغم ضيق مساحتها، وحرمانها من الثروات الطبيعيّة الضروريّة لها ولدورها- الدولةَ الثانية في العالم بمقياس التقدّم الصناعيّ والتجاريّ والتكنولوجيّ

إنّها أيضاً الإرادة الإنسانيّة الصّارمة، والوسائل والأسباب المكافئة للحاجة والأهداف، والتكامل والتكاتف والدّأب المخلص المنقطع النظير

ونسأل أنفسنا بهذه المناسبة :

أين نحن من أهدافنا الأساسيّة الضروريّة ومن عالمنا وعصرنا؟

أين كنّا قبل أربعين سنة؟ وإلى أين وصلنا الآن؟ وماذا صنعنا في عشرات السنين الماضيات؟

وماذا كان يجب أو كان يمكن أن نصنع؟ وإلى أين كان يجب أو كان يمكن أن نصل؟

نسأل ولا نجيب في هذا المكان، فالجواب الفاجع المخزي ماثلٌ أمامنا حيثما كنّا، وحيثما نظرنا على امتداد العالم الإسلاميّ، يراه ويعرفه كلّ مسلم له عينٌ تبصر، وأذنٌ تسمع، وعقلٌ يفكّر

إنّ العالم الإسلاميّ يتفكّك على الزّمن ويتجزّأ وينهار، وتتّسع الهوّة على الدّوام بينه وبين أهدافه الموضوعيّة الجوهريّة، وبينه وبين القوى الحيّة في عالمه وعصره

إنّنا لا نمتلك -وا أسفاه- امتلاكاً حقيقيّاً إرادة التحرّر والتقدّم والحياة، ووسائل التحرّر والتقدّم والحياة؛ ولذلك فإنّنا نزداد عبوديّةً وتخلّفاً وإمعاناً في سبل الضّياع والهلاك، وليس أمامنا -إنّ استمرّت بنا هذه الحال- إلاّ العبوديّة والتخلّف والضّياع والهلاك يجب علينا -أيّها المسلمون- أن نغيّر ما بأنفسنا حتّى يغيّر الله ما بنا

يجب أن نمتلك الإرادةَ أَمْضَى الإرادة، والوسائل أنجعَ الوسائل، وأن نخلص القصد والقول والعمل ، ونجاهد الجهاد الحقّ على كلّ صعيد

إنّ بإمكاننا نحن أيضاً أن ننهض من تحت أنقاض هزائمنا ومصائبنا وتخلّفنا وعجزنا وهواننا وواقعنا الرّاهن الفاسد الحقير، كما نهضت ألمانيا واليابان وشعوب ودول أخرى في الحاضر والماضي، وكما سبق لنا أن نهضنا بإيماننا وإسلامنا، وإرادتنا وإقدامنا، وجهادنا وتضحيتنا، وأَخْذِنا بما أوجب الله علينا من الوسائل والأسباب، من سقطاتنا ونكباتنا الكبرى على توالي العصور

والله أكبر والعاقبة للمتقين