– بين إسكندر الغرب وإسكندر المسلمين

بقلم / د. محمد العبدة

الإصلاح في الأرض بين اسكندر الغرب واسكندر المسلمين

تحدث القرآن الكريم عن النموذج والمثال للملك المسلم المصلح في الأرض صاحب السيرة الحميدة والحزم المستيقظ والتأييد المتواصل، أينما اتجه فهو للإصلاح ودعوة الناس إلى الخير، ومساعدتهم على دفع الشر وإقامة العدل بينهم.. إنه ذو القرنين كما ذكر في سورة الكهف، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: 83، 84]. وقد تزوَّد هذا الملك الصالح لتنفيذ رسالته بالعلم والخبرة العملية {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: 84]، أي علمًا ومعرفة بالسنن الكونية وأقيسة يتوصل بها إلى معرفة الأشياء.

بهذا التمكين من الله I وهذا العلم استطاع هذا الملك الصالح أن يقيم السد الذي يمنع فساد يأجوج ومأجوج، فهو يساعد الضعفاء والمظلومين من مخالب التوحُّش والخراب. هذه هي أهداف المسلمين، ألا وهي الإصلاح في الأرض، ولكن إسكندر اليونان الذي شرَّق وغرَّب فاتحًا يستولي على المدن، أو يبني مدنًا جديدة.. ماذا أبقى بعد رجوعه من الشرق وبعد هلاكه؟ ما هي الآثار الإصلاحية التي خلفها؟

هناك فرق كبير بين من يخوض الحرب ذودًا عن العقيدة وذودًا عن الحق، وبين من يقتحم الحروب ليقال: إنه دوَّخ الأمم وفتح البلدان، وهذا هو الفرق بين فتوحات المسلمين وبين استيلاء الغرب على البلدان والقارات.

المسلم إذا قام بسياحة جغرافية للتعرف على أقاليم الأرض وطبائع الشعوب والدعوة إلى الإسلام، هذا المسلم لا يفكر في استغلال سكان هذه الأقاليم ولو كانوا بدائيين سُذَّجًا. فهذا الرحالة ابن بطوطة من أهالي طنجة من المغرب وصل إلى أقصى الشرق، ودخل أكثر البلدان وطالت رحلته أكثر من عشرين سنة، وكان في علمه وسمته أن عمل قاضيًا في بعض المناطق، ولكنه لم يفكر هو وأمثاله من الرَّحَّالة المسلمين في استعمار البلدان التي وصلوا إليها.

وصل رحَّالة غربيون إلى إفريقية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.. فماذا فعلوا؟ وكيف تصرفوا؟ استعمروا شعوبها باسم التمدين والتقدم، وقالوا: إنهم اكتشفوا بلادًا وكأنها لم تكن موجودة، بل سميت مناطق كبيرة باسم أحد هؤلاء الرحالة الإنجليز (روديسيا)[3]. هذا الغربي يجد قومًا بسطاء فيخدعهم بعلومه الحديثة وأساليبه الماكرة، ويعقد مع رؤسائهم العهود وينكثها، ويستولي على أراضيهم، بل أصبحت له ثقافته (الاستعمارية) الخاصة في تصميم المنزل المناسب للبلاد الحارة، أو الملابس الخاصة التي لا تقربها الحشرات.

ليس عند المسلمين إبادة على نطاق جماعي كالذي ارتكبه الأوربيون في الأمريكيتين وأستراليا، ليس هناك ثقافة عنصرية كالتي وافقت عليها كنيسة الإصلاح الهولندية في جنوب إفريقيا.

هل كان المسلمون على خطأ حين لم يستعمروا البلاد التي وطئتها أقدامهم؟!

كلا، بل هي حضارة المسلمين وثقافتهم، ولا يستطيعون أن يكونوا غير ذلك؛ فليس في الإسلام نزعة الفوقية والأنانية الاقتصادية.. إنه البون الشاسع بين غايات الحضارة الإسلامية التي بنيت على الأخلاق والمبادئ العليا والعبودية لله تعالى، وبين الحضارة الغربية التي قامت على أساس من المدنية اليونانية والرومانية، وعلى أساس الرأسمالية النفعية وطلاء خارجي من النصرانية.