يحتار الناس في تربية أولادهم: كيف يرشدونهم إلى الصواب دون أن تكون الوسيلة خاطئة، وها هو اقتراح متوازن يدعى (أسلوب الدقيقة الواحدة)، وهو أسلوب حديث في تربية الأبناء، فإذا كنت تعاني من تمرُّد أبنائك، أو كنت تشعر بوجود مشكلة في تربيتك لأولادك؛ فحاول تطبيق أسلوب الدقيقة الواحدة في تربيتهم، وانظر فيما إذا كان ذلك مجدياً معهم.

ويعتبر الأستاذ الدكتور (سبنسر جونسون) رائد أسلوب الدقيقة الواحدة في العصر الحديث، ويعتمد هذا الأسلوب على جعل الأبناء يشعرون بعدم الرضا عن تصرُّفهم الخاطئ، ولكن بالرضا عن أنفسهم، فكيف يتمُّ ذلك بدقيقة واحدة؟.

1-    وبّخهم في دقيقة واحدة:

يقول الدكتور (سبنسر جونسون) في كتابه (أب الدقيقة الواحدة): “أسلوب الدقيقة الواحدة أسلوب حديث، ربّما تشعر في بداية تطبيقه بأنّه أسلوب غريب، ولكنك سترتاح بعد ذلك وتمارسه بشكل طبيعي”.

أخبر أبناءك أوّلاً بأنك لا تريد أن تحكمهم أو يحكموك، ولا تريد أن تكون دكتاتوراً في البيت، أخبر أبناءك أنك ستتَّبع هذا الأسلوب معهم، وأنّه ستكون هناك بداية جديدة لطريق التأديب، دع أبناءك يشعرون بعدم الرضا عن تصرفهم الخاطئ، ولكن بالرضا عن أنفسهم.

إذا ارتكب ابنك خطأ ما انظر في عينيه مباشرة، وأعد عليه ما فعله باختصار دون أن يأخذ من وقتك إلا ثواني معدودات، أشعره بعدها أنك غاضب من فعله ودعه يشعر بما تحسُّ به في النصف الأوّل من الدقيقة، فلا يكفي أن يتلقى الابن أو الابنة التأنيب، ولكن المهم جدّاً أن يشعر بهذا التأنيب، دعه يشعر بأنّه لا يحب ما فعل، وقد يرافق ذلك إحساس بالانزعاج منك، فما من أحد يريد أن يؤنَّب أو يوبَّخ، خذ نَفَساً عميقاً بعد ذلك، واشعر بالهدوء النفسي، ثمّ انظر إلى وجهه في نصف الدقيقة الثاني، بطريقة تجعله يشعر أنك إلى جانبه ولست ضدَّه، وأنك تحبُّه ولكنك لا تحبُّ سلوكه فقط، أخبره أنّه ولد طيِّب، وأنك راضٍ عنه، ولكنك لست راضٍ عن سلوكه، وأنك ما أنَّبته إلا لأنك تحبه، ضمَّ ابنك إلى صدرك بقوة حتى تشعره بأنّ التأنيب قد انتهى.

سيشعر أبناؤك بعد حين، أوّلاً: أن تصرفاتهم السيئة لن تمرَّ دون محاسبة، وثانياً: أنهم أبناء طيِّبون، وثالثاً: أنّهم محبوبون من قبل أبويهم.

فلا يكفي أن يكون الطفل محبوباً، بل ينبغي أن يشعر الأبناء بأنّهم أناس طيبون، وأنّ الابن ما زال محبوباً، ولكن الأُم أو الأب لا يحبُّ ذلك التصرُّف الخاطئ بذاته.

وهكذا يشعر الأطفال أن عليهم أن يكونوا صادقين مع آبائهم، يأتون إليهم يعبِّرون عن مشاعرهم وأحاسيسهم، يشعرون بالغضب من أنفسهم عندما يسيئون التصرف، ثمّ يعبِّرون عن حبهم لأبويهم.

وإذا عاد ابنك متأخراً إلى البيت، وقد كرَّر تأخره خلال الأسبوع، انظر إلى عينيه مباشرة، وقل له: “لقد عدت متأخراً، وكرَّرت ذلك للمرّة الثانية هذا الأسبوع”، ثمّ ينبغي أن تعبِّر عن حقيقة شعورك بالغضب: “أنا غاضب جدّاً منك يا بني، وأنا حزين جدّاً لأنك كررت ذلك مرتين”.

وأهمُّ ما في الأمر أنك تريد من ابنك في النصف الأوّل من الدقيقة أن يشعر بما تشعر به، إذ لا يكفي أن يتلقى أبناؤنا التأنيب، لكن المهم أن يشعروا به، وسيشعر ابنك بعد كلامك المختصر معه، والمعبِّر بصدق عن شعورك نحو تصرفه أنه لا يحب ما فعل، وقد يشعر بكره نحوك، إذ لا يرغب أحد منّا أن يؤنبه أحد، هذا بالضبط ما تريده من النصف الأوّل من الدقيقة: تريد ابنك أن يشعر بأنّه غير مرتاح.

ولكن ماذا تفعل إذا شعر ابنك بالضيق: وأخذ يدافع عن نفسه؟ وهنا ينبغي أن تكمل النصف الآخر من الدقيقة، فهو مفتاح النجاح لعملية التأنيب التي تقوم بها.

ففي النصف الأوّل من الدقيقة قلت لطفلك: إنك غاضب منه، ومصاب بخيبة أمل فيه، وحزين بسبب سلوكه الخاطئ، وفي النصف الآخر من الدقيقة انظر إلى وجهه واجعله يشعر بأنك تقف إلى جانبه ولست ضدَّه، وقل له ما يريد سماعه منك، قل له: إنّه شخص طيِّب، وإنك تحبه، ولكنك غير راضٍ عن سلوكه الليلة، وأنّ هذا الأمر يزعجك جدّاً، ثمّ ضمّه إلى صدرك بقوة حتى تعلمه أنّ التأنيب قد انتهى دون أن تذكر له ذلك.

وهكذا ففي النصف الأوّل من الدقيقة قمت بتوبيخ طفلك بأسرع وقت ممكن، وحدَّدت له ما فعل، وعبَّرت عن شعورك بالغضب تجاه ما قام به.

أما النصف الآخر من الدقيقة ففيه لحظات هدوء ومحبَّة ومنح للثقة، تذكر خلالها أنك لا تقبل بسلوك طفلك الحالي، ولكنه ولد طيِّب، وتشعره بأنك تحبه وتحتضنه.

وبهذه الطريقة يشعر ابنك أنها تؤلم أكثر بكثير من أسلوب العنف والضرب، ويشعر الأبناء أن تصرفاتهم السيئة لن تمرَّ دون حساب، وأنّهم أشخاص طيِّبون.

والحقيقة أنّ الإمام الغزالي – رحمه الله تعالى – قد تنبَّه إلى هذا الأسلوب قبل ذلك بقرون عديدة، فقال في معالجة خطأ الطفل: “ينبغي أن يعاتب الولد سرّاً، ويعظم الأمر فيه، ويقال له: إيّاك ان تعود بعد ذلك لمثل هذا، وأن يطلع عليك في مثل هذا فتفتضح بين الناس، ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كلّ حين، فإنّه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام مِن قلبه”.

2-    امدحهم في دقيقة:

أخبر أبناءك أنك ستمدحهم عندما يحسنون التصرف، انتبه إليهم عندما يتصرفون بشكل جيِّد.

إذا قام ابنك بعمل يستحق المديح، فاجعله يشعر بالسعادة حينما يحسن مثلما أنك وبَّخته حين أساء، لاحظ أبناءك حينما يحسنون التصرف، وقل لهم بالتحديد ماذا فعلوا من أمر حسن.

وأخبرهم في نصف الدقيقة الأولى بما فعلوه، وأنّ هذا الأمر قد جعلك سعيداً.. توقَّف بعدها عن الكلام لثوانٍ معدوداتٍ، فصمتك يشعرهم بالرضا عن أنفسهم، ثمّ أخبرهم أنك تحبهم، واختم مديحك بالاحتضان أو بلمسة حانية على الرأس، كلّ ذلك لن يأخذ منك أكثر من دقيقة واحدة، ولكن شعورهم بالرضا عن أنفسهم سيواكبهم طيلة حياتهم، وربما  كان مديح الدقيقة الواحدة أجمل هدية يقدِّمها الأبوان للأبناء.

3-    قراءة الأهداف في دقيقة:

إنّ رغبة الأطفال في تحسين سلوكهم تتولَّد من رضاهم عن أنفسهم، وحين يشعر الطفل بذلك الرضا يزداد رغبة في تطوير نفسه وتهذيب سلوكه.

وما من أحد منّا إلا ويريد أن يكون أبناؤه أقوياء، واثقين بالله وبأنفسهم، قادرين على تحقيق غاياتهم، ولكن هل حقّاً نشارك أبناءنا في التخطيط لتطوير أنفسهم؟.

حاول أن تجلس مع أبنائك قبل عطلة نهاية الأسبوع، اسألهم: كيف يريدون قضاءها؟ دعهم يضعون خطَّة يحددون فيها أهدافهم، وما سيفعلونه في تلك العطلة.

اجمع تلك الأهداف، ودعهم ينظرون إليها مدة دقيقة واحدة، ثمّ يرى كلّ واحد فيما إذا  كانت تلك الأهداف تتوافق مع سلوكهم، فواحد يضع خطة يضبط فيها طريقة تحدُّثه مع الآخرين مثلاً، فلا يتحدَّث بصوت مرتفع يزعج من حوله، وآخر يضع هدفه تصحيح طريقة مشيته إن كانت مشيته غير مألوفة خلال فترة معينة، وهكذا.

وينظر كلّ فرد إلى أهدافه الخاصة، ويلاحظ فيما إذا كان سلوكه ينسجم مع أهدافه، ولن يستغرق ذلك منه أكثر من دقيقة واحدة، وهكذا يشعر الأبناء بالثقة بالنفس، والقدرة على إدارة شؤون الحياة، فتصبح حياتهم أكثر إشراقاً وحيوية.

لقد جرَّب هذه الطريقة عدد كبير من الآباء، ووجدوا فيها حلولاً لمشكلاتهم في تربية أبناءهم، وحصلوا على نتائج أفضل في وقت قليل، لقد تعلَّم أطفالهم كيف يحبُّون أنفسهم، ويسعون لتطوير سلوكهم نحو الأفضل، وعرفوا متعة الحياة الهنيئة في بيت متكافل خال من البغض والشحناء.