ثقافة العيب.. التربية الجنسية للأطفال

تعاني المجتمعات العربية بشكل كبير من نقص المعرفة والاهتمام في موضوع التربية الجنسية للأطفال لذا نرى تصرفات غاية في الخطورة من قبل الأمهات والآباء عند التعامل مع أطفالهم! أتطرق لهذا الموضوع في مدونتي هذه علّني أستطيع أن أصل إلى بعض من غفلوا خطورة وأهمية هذا الموضوع! نعيش اليوم في مجتمعات كَثُر فيها الشذوذ والتحرش والانحراف الجنسي وأصبح كل شيء متاح للصغار قبل الكبار حتى الأفلام الإباحية! لذا علينا أن نخرج من القوقعة التي وُضعنا فيها وعلينا إعادة التفكير بمفهوم “العيب” الذي للأسف يُستخدم دائما في غير موضعه.

إن التربية الجنسية للطفل لا تقل أهمية عن أي جانب من جوانب التربية الأخرى وإن قصرنا فيها فعلينا وزرها. ولا تندهش إذا قلت لك أن تربية الطفل الجنسية تبدأ منذ ولادته! تسأل كيف؟ سأجيبك باختصار.. يجب على الأم أن تربي طفلها منذ يومه الأول على أن جسده له خصوصية فلا تقوم بتغيير ملابسه أمام أحد. للأسف بعض الأمهات تغير لطفلها على الملأ ويبدأ البعض باللعب بالأعضاء التناسلية للطفل والضحك عليه على أساس أنه “صغير وما بفهم” حتى إذا صار عمره سنتين يبدأ بالركض بالمنزل أمام الجميع دون ملابس ولا تجد العائلة ذلك عيب! في حين أنه وجب عليها أن تقوم بهذا العمر بالحديث معه بشكل مستمر كلما غيرت ملابسه أو أدخلته المرحاض عن أن جسده ملكه هو فقط وأن هناك أعضاء من جسده خاصه جداً لا يجب لأحد أن يراها أو يلمسها إلا الأبوين أو المربية لغاية النظافة وبإذن منه فقط؛ وإن قام أحد بلمسه أو محاولة الكشف عن جسده يجب عليه أن يصرخ ويخبر والديه لأن هذا أمر خاطئ.

علينا أن نقوم بمهمتنا التربوية بشكل صحيح لأنها أمانة في أعناقنا ولا أحد منا يتمنى لأي طفل أن يُؤذى فكيف إن كان طفلنا ونحن المسؤولون عنه! علينا أن نثقف أنفسنا ونسعى للحفاظ على أبنائنا من كل الأمراض النفسية المنتشرة في المجتمع بسبب قلة الوعي.
إن هذا الجزء من التربية الجنسية للطفل مهمل جداً في مجتمعاتنا العربية ولو كان هناك وعي من الآباء وتوعية كافية للأبناء لما رأينا إحصائيات صادمة! تشير إحصائية قامت بها كلية التربية في جامعة الملك سعود الى أن طفل من كل أربع أطفال يتعرض لاعتداء جنسي وأن ٤٩٪‏ من الأطفال دون ١٤ سنة يتعرضون للتحرش. كلنا يعتقد بأن بيته يخلو من مثل هذه الحوادث لكن صدقوني قد يكون أحد أطفالك قد تعرض لمثل هذه الحوادث وأنت لا تعلم. نعم بالتأكيد أنك لا تعلم طالما لم تتحدث لأطفالك عن هذه الحوادث ولم توعهم بشكل كافٍ عن خصوصية أجسادهم وخطورة تعرض الآخرين لهم ولم توفر لهم مساحة من الأمان والثقة ولم تضع نفسك المرجعية لهم في حال تعرضوا لمثل هذه الحوادث.

من الأمور الواجبة في مرحلة الطفولة المبكرة أيضاً التأكيد على الهوية الجنسية للطفل وربطها بالأب إن كان ذكراً وبالأم إن كانت أنثى والتأكيد على مفهوم الأنوثة والذكورة. مثال على ذلك ان طلب طفل ذكر أن يضع طلاء أظافر أو ربطات شعر مثل أخته نرفض ونحدثه عن أنه رجل وهذه الأشياء للنساء وليست للرجال. مشكلة الكثير من الآباء أنهم يعاملون طفلهم على أنه “صغير لا يفهم” فيجارونه ولا يدركون أن مثل هذا التهاون قد ينتج عنه مشاكل نفسية كبيرة لاحقا. يجب أيضا التحدث إليه عن الفطرة الربانية بوجود ذكر وأنثى يعيشان سوياً ليبنيا عائلة.

قد تتساءل كيف يمكنك التحدث لطفل في الخامسة من العمر مثلا عن مثل هذه المسائل؟! دعني أقول لك أنه يجب عليك مراعاة فهم طفلك فمثلاً في عمر الخمس سنوات تتحدث اليه عن أن النباتات فيها الذكر وفيها الأنثى وأن هناك ما يسمى التلقيح وهذا ينتج نباتاً جديداً. ثم تتحدث إليه عن الحيوانات وهكذا بحسب المرحلة العمرية. ويمكنك لفت نظره الى الآيات التي ذكر الله فيها أنه خلق ذكراً وأنثى ويمكنك أيضاً سرد قصة سيدنا لوط لتبين له أن هؤلاء خرجوا عن فطرة الذكر والأنثى فعذبهم الله.

قد يعتقد البعض بأن مثل هذه الأمور لا تناسب مرحلة الطفولة المبكرة ولكن كونوا على ثقة بأن هذا الانفتاح التكنولوجي والمعرفي جعل الأطفال عرضة للانحراف أكثر من أي زمن آخر وإن لم يبادر الآباء بالحديث عن مثل هذه الأمور وُيشعروا الطفل بالأمان عند الحديث عنها وأنها أمور طبيعية ويوفروا له مساحة آمنة للسؤال عن كل ما يسمع ويرى ويتبادر لذهنه فسوف يكون هناك بديل ونحن لا نعرف ما هو ومن هو هذا البديل؛ فقد يكون فيلم اباحي أو صديق منحرف أو معلومات خاطئة!

لذا فعلينا أن نقوم بمهمتنا التربوية بشكل صحيح لأنها أمانة في أعناقنا ولا أحد منا يتمنى لأي طفل أن يُؤذى فكيف إن كان طفلنا ونحن المسؤولون عنه! علينا أن نثقف أنفسنا ونسعى للحفاظ على أبنائنا من كل الأمراض النفسية المنتشرة في المجتمع بسبب قلة الوعي وعلينا أخيراً أن ندرك أن الثقافة الجنسية ضرورة ملحة وليست عيب وأن “العيب” هو أن نتكتم على هذا الموضوع ونخسر صحة أطفالنا النفسية بسبب التعتيم عليه!!