جلسات تربوية خالدة
د. محمد أحمين
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
لاشك أن الجلسة التربوية الخالدة التي ساهمت وتساهم في تغيير مجرى التاريخ هي الجلسة التربوية لخطبة وصلاة الجمعة، فقد هدى الله الأمة ليوم الجمعة بعد أن ضلت عنه الأمم الأخرى كما في الحديث الصحيح.

ولكن هذه الجلسة الواجبة لها أحكام خاصة، ولا تغني عن الجلسات التربوية التي هي فرض عين على رب الأسرة، وفرض كفاية على الأمة تأثم إن لم تقم بها طائفة تتحقق بها الكفاية. ومن هذا النوع الأخير، خلدت في التاريخ جلسات منها:

– جلسات دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه، التي ربى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في مرحلة الدعوة السرية على مائدة القرآن. وقد كانت مدرسة عظيمة تخرجت فيها الجماعة الأولى من الصحابة التي قادت أعظم دعوة عرفتها البشرية.

– جلسات النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من الرجال، فعن أبي وائل قال كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا ” متفق عليه . وكذلك مجلسه التربوي مع النساء، فعن أبي سعيد الخدري قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن” رواه البخاري. وقد انعقدت هذه الجلسات مئات المرات كما مر معنا في حديث سمرة بن جندب “جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة”.

وهي الجلسات التي نوه بها القرآن الكريم في الآية التي تقدم ذكرها من سورة الكهف {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}

وقد استمرت هذه الجلسات، تحت إشراف الصحابة مع التابعين، فعن عطاء عن أبي عبد الرحمن قال حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم” رواه أحمد.

– جلسات نبي الله موسى وأخيه هارون التي أشار إليها القرآن، {وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكر كثيرا} طه : 34،{اذهب أنت وأخوك ولا تنيا في ذكري}طه : 42.

– جلسات الخميس لعبد الله بن مسعود: فعن أبي وائل قال كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم” متفق عليه

– الجلسات التربوية كل جمعة لابن الجوزي، الذي قال عنه ابن كثير:”تفرد ابن الجوزي بفن الوعظ الذي لم يسبق إليه ولا يلحق شأوه فيه، وفي طريقته وشكله وفي فصاحته وبلاغته وعذوبته وحلاوة ترصيعه، ونفوذ وعظه، وغوصه في المعاني البديعة، وتقريبه الأشياء الغريبة بما يشاهد من الأمور الحسية بعبارة وجيزة سريعة الفهم والإدراك بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة”(البداية والنهاية 13 أحداث سنة 597)، وكان يحضر مجلسه التربوي الآلاف، ويحضره الرؤساء والوزراء، ويتوب فيه خلق كثير، ولم يعرف تاريخ الوعظ والمجالس الدينية ـ على مر العصور ـ مجلسًا كمجلس “ابن الجوزي”.

– حديث الثلاثاء لحسن البنا، وهو درس أسبوعي كان يلقيه الإمام حسن البنا على رواد المركز العام للإخوان المسلمين مساء الثلاثاء من كل أسبوع، وكان الدرس يرتاده الآلاف من الإخوان،كما كان يحافظ عليه عدد كبير من المثقفين والوجهاء والأعيان الذين كان يجذبهم أسلوب الشيخ البنا المتميز. وقد فرغت دروسه في مجلد مطبوع.

وبعد،،

فهذه إذا إطلالة على الجلسات التربوية، وبقيت الإشارة إلى أنها تنعقد باثنين كما انعقدت بين موسى وهارون؛ لأن الجماعة تنعقد باثنين، كما أن موعدها كل أسبوع هو الأقرب للسنة، كما مر معنا في حديث عبد الله بن مسعود، والمهم في الأمر كله ألا يتعلل الناس بمشاغل الدنيا عن مجالس الذكر، فقد وصف الله سبحانه وتعالى صحابة رسول الله بأنهم:{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} النور: 37.