تأليف: روبير جاكسون

ترجمه:الأستاذ / أنور الجندي –رحمه الله –

الحلقة الخامسة:

حقيقة الإسلام كما يفهمه حسن البنا:

    فإذا ذهبنا نتعرف حقيقة الإسلام كما يفهمه (حسن البنا) وجدناه (عمريا): إنه يفهم الإسلام كما عرفه عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: “إذا أحسنت فأعينوني وإذا أسأت فقوموني “. ويفهمه كما عرفه (أبو بكر-رضي الله عنه -): “الضعف فيكم قوي عندي حتى أخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه،أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم “.

 وكان يري أن يكون الحاكم المسلم من الشجاعة بحيث يقبل ما قبل (عمر-رضي الله عنه-) عندما جابهه الرجل بكلمة (اتق الله) فقال: “دعه فليقلها لي، لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها “.. ويري مسئولية الحاكم في حدود قول (عمر-رضي الله عنه -) :” لو عثرت شاة بشاطئ لظننت أن الله عز وجل سائلي عنها يوم القيامة “.

ويري الحاكم من حيث القدرة علي الإنصاف من النفس كقول (عمر رضي الله عنه – ): ” أصابت امرأة وأخطأ عمر ” ويؤمن بتطبيق نظام عمر-رضي الله عنه –  في القضاء ” اجعل الناس عندك سواء، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله”.. ويردد في أكثر من مرة قول الرسول- صلي الله عليه وسلم-لأسامة: “أتشفع في حد من حدود الله ؟ والله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها “.

 ويحب أن يطبع المسلم حياته بطابع كلمة عمر-رضي الله عنه –  الخالدة: ” أحب من الرجل إذا سيم الخسف أن يقول (لا) بملء فمه” وهو علي هذه الأسس من المفاهيم الإسلامية العميقة كان ينشئ جيله ويبني كتيبته ويرسم ( الطوباوية – أي المدينة الفاضلة Utopia  ) التي إذا طبقت حقق الإسلام في الشرق دوره وزحف إلي مكان الزعامة العالمية والصدارة الإنسانية.

    ويري أن قاعدة الإسلام الأساسية هي ( لا ضرر ولا ضرار ) ويؤمن بسد الذرائع وإعطاء الوسائل أحكام المقاصد والغايات..

 وجملة القول في الرجل القرآني: إنه يفهم الإسلام فهما واضحا سهلا يسيرا كما جاء في حديثه معي، علي الطريقة التي فهم بها محمد- صلي الله عليه وسلم- الإسلام، إنه قريب في نظري من أبي حنيفة الذي أصر علي رفض القضاء، ومالك الذي أفتى في البيعة وابن حنبل الذي أريد علي هوى فلم يرد.

 وأجد حسن البنا قد حرر نفسه من مغريات المجد الناقص ومفاتن النجاح المبتور ومثل هذا التحرر في نظر “إمرسون” هو غاية البطولة؛ ولذلك فلم يكن عجيبا أن يقضي الرجل علي هذه الصورة العجيبة فكان فيها كشأنه دائما، غير مسبوق.

كان الناس يرونه غريبا في محيط الزعماء، بطابعه وطبيعته، فلما مات كان غريبا غاية الغرابة في موته ودفنه، فلم يصل عليه في المسجد غير والده وحملت جثمانه النساء، ولم يمش خلف موكبه أحد من هؤلاء الأتباع الذين كانوا يملئون الدنيا لسبب بسيط هو أنهم كانوا وراء الأسوار.

لقد نقل الرجل بعد أن أسلم الروح إلي بيته في جوف الليل ومنع أهل البيت من إعلان الفاجعة، وغسله والده، وخيم علي القاهرة تلك الليلة كابوس مزعج كئيب، ولقد كان خليقا بمن سلك مسلك أبي حنيفة ومالك وابن حنبل وابن تيمية مواجهة للظلم ومعارضة للباطل.. أن تختتم حياته علي هذه الصورة الفريدة المروعة، التي من أي جانب ذهبت تستعرضها، وجدتها عجيبة مدهشة إنه كان يدهش الأجيال بختام حياته، إن الألوف المؤلفة قد سارت في ركب الذين صنع لهم الشرق بطولات زائفة، أفلا يكون حسن البنا قد رفض هذا التقليد الذي لا يتم علي غير النفاق.

    إن هناك فارقا أزليا بين الذين خدعوا التاريخ والذين نصحوا لله ولرسوله.. إن هذا الختام العجيب سيظل مدي الأجيال يوقد في نفوس رجال الفكر النور والضياء، ويبعث في قلوب الذين آمنوا معه ما بعثه الحق في نفوس أهله حتى يمكنوا له.

إن مقتله شبيه بمقتل الحسين، إنها العوامل المختلفة التي تجمعت لوضع حد للفكرة الحية التي كانت تندفع إلي الأمام.. كالإعصار. وحين حلّ (القضاء) أنفذ (القدر) حكمه. إن الأمر الذي أسأل عنه فلا أجد له جوابا:

    هل هناك علاقة ما بين الإسلام كما كان يفهمه حسن البنا ويدعو إليه وبين نهايته ؟ إن كثيرين يدعون إلي الإسلام ويحملون اسمه، فهل هناك خلاف جوهري بين ما كان يدعو إليه حسن البنا وما يدعو إليه هؤلاء ؟ لأني لا أعرف الإجابة الصحيحة أدع ذلك للتاريخ.

انتهت مقالة: “حسن البنا.. الرجل القرآني” تأليف: روبير جاكسون، ترجمه:الأستاذ / أنور الجندي –رحمه الله –