الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد: فالموت هو نهاية كل حي, قال الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185] فلا مهرب من الموت, ولا مفر, قال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ}  [الجمعة:8] حقيقة يعلمها الجميع, لكن لا يعمل لها الكثيرون، بل إن البعض يكره ذكره الموت كأنما يُخيلُ إليه أنه إذا ذكره فسيكون قريباً منه, وإذا لم يذكره كان بعيداً عنه, مع أن الموت له ساعة محددة لن يتأخر عنها, ذكره الإنسان أو لم يذكره, قال الله جل جلاله: { فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ}  [النحل:61] فالموفق من عمل للموت قبل نزوله, واستعد له قبل مجيئه, وذلك بعمل الصالحات وترك السيئات, والتوبة والإنابة إلى خالق الأرض والسموات, فكم من حسرة تحت التراب, والعاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسب, وخاف من ذنوبه خشية أن تكون سبباً في سوء خاتمته, فكم من شخص أصر على صغيرة فألفها, وهانت عليه, ولم يفكر يوماً في عظمة من عصاه فكانت سبباً في سوء خاتمته.    فعلى المسلم أن يجاهد نفسه ويتقي الله في كل أموره  لتكون خاتمته حسنة, قال سبحانه وتعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [آل عمران:102] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه, فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أن من عاش علي شيءٍ مات عليه, ومن مات على شيءٍ بعث عليه, فعياذاً بالله من خلاف ذلك.   

من البشائر بحسن الخاتمة النطق بكلمة التوحيد عند الموت, فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة » [أخرجه أبو داود] لكن لا يظن المصر على المعاصي أن الأمر سهل, فكم من إنسان حاول من حضروا موته أن يلقنوه الشهادة, فأبى وتلفظ بما كان يعيش عليه من لهو وتجارة ونحوها.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: المحتضر لا يكاد يقولها إلا بإخلاص, وتوبة, وندم على ما مضى, وعزم على أن لا يعود إلى مثله. ومن البشائر بحسن الخاتمة أن يموت عقيب عمل صالح, قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كان السلف يرون أن من مات عقيب عمل صالح, كصيام رمضان, أو عقيب حج أو عمرة, أنه يرجى له أن يدخل الجنة. ومن البشائر بحسن الخاتمة أن يموت الإنسان وهو يفعل طاعة قربة لله, ومن أفضل الطاعات وأجل القربات: الصلاة, فطوبى لمن مات وهو يصلي لله, فإن كان موته في الصلاة وهو ساجد, فذلك الموطن أقرب ما يكون العبد من ربه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» [أخرجه مسلم] وقد من الله على من شاء من عباده فماتوا وهو سجود في الصلاة, وقد جمع الشيخ غالب بن شبيب الصميل من ماتوا وهو سجود من الأعلام, في كتابه ” منية العابد فيمن مات من الأعلام وهو ساجد” وبعض من وفقه الله كان يتمنى ويدعو الله أن يحسن له الخاتمة فاستجاب الله له. منهم: الصحابي عبدالله بن سعيد بن أبي السرح رضي الله عنه (ت36) فقد دعا الله فقال: ” اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح ” قال ابن كثير: مات وهو ساجد في صلاة الصبح.   ومنهم: محمد منصور الراجحي رحمه الله, فقد جاء في ترجمته أنه كان كثيرًا ما يدعو الله أن يموت تحت حوافر الخيل؛ أي: في الجهاد، فمات بمكة في الزحام أثناء السعي تحت أقدام الحجاج. ومنهم: المحدث أحمد بن المظفر النابلسي رحمه الله (ت758) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: كان يقول: أشتهي أن أموت وأنا ساجد فرزقه الله ذلك، فقد وجدوه ميتاً وهو ساجد. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها, وخير أيامنا يوم لقائك, واختم لنا بالخاتمة الحسنة, وتوفنا وأنت راضٍ عنا.