نداء علوي يملأُ النفس بهجة وأملاً، ويغمرها بسعادة لا حدود لها؛ إذ يرفعها من مستوى الطين والأرض إلى المستوى الذي يليق بالإنسانية التي عرفت حقيقتها ووظيفتها، هذا النداء العلوي الكريم هو قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 152).

أي شرف هذا الذي يمنحه الله تعالى للإنسان، وأي تكريم هذا الذي يهبه له. ماذا يبغي الإنسان أكثر من هذا؟!. إن ذكرك يا أخي في الملأ الأعلى من سيد الكون كله أعلاه وأدناه شرف لا تحلم بمثقال ذرة منه إلا التماسًا لرحمة الله الواسعة السابغة. إنه وعد محقق  لأنه وعد  الله الذي ﴿لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ (آل عمران: من الآية 9) ولأنه ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى﴾ (طه: من الآية 52)، ولأنه سبحانه باقٍ أبدًا لا يحول ولا يزول ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ (القصص: من الآية 88)، ولأن قدرته سبحانه لا تنتهي عند حد فهو ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت: من الآية 20)، ولأن كل شيء طوع أمره؛ فهو ﴿الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ (الأنعام: من الآية 18)، وهو الذي ﴿يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا﴾ (فاطر: من الآية 41)، وهو الذي يتبادر ملائكته لإنفاذ أمره ولا يملكون له مراجعة ولا مخالفة ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾ (التحريم).

كيف بك أخي الحبيب يذكرك ربك القوي القادر وتنساه وأنت على حالك من القلة والذلة؟! كيف بالقوي يذكر الضعيف، والضعيف ينسى ذكر القوي الذي يحميه ويرعاه؟! كيف بالغني يذكر الفقير، والفقير ينسى الغني الذي يعيش في رفده وعطائه؟! كيف بمانح الحياة وممد الكون بأسباب بقائه واستمراره يذكر ذلك الذي ﴿لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا﴾ (الفرقان:3) وهو ساهٍ لاهٍ عن مولاه؟!، كيف بالباقي يذكر الفاني والفاني ينسى ذكر من أوجده وإليه منقلبه ومصيره. إن من يغفل عن ذكر ربه بعد هذا النداء العلوي حري به أن يتقبَّل العزاء في قلبه.