انتبه أيها الإنسان!، إن الذي يخاطبك ويأمرك بذكره ويعدك إن ذكرته أن يذكرك إنما هو ربك الذي أوجدك من العدم وأسبغ عليك النعم  ودرأ عنك من البلايا ما علمت وما لم تعلم، فكيف تغفل عن ذكره وهو يناديك: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ  ذكرته في ملأ خير منه)؟ فهنيئًا للذاكر ذكره، وطوبي لمن ذكَّر ناسيًا ونبَّه غافلاً وأيقظ نائمًا وردَّ هائمًا، وأعان ذاكرًا، ودلَّ حائرًا، وأرشد تائهًا، وقاد مكفوفًا، وحمل مُقعدًا، وأزاح الغطاء الأسود القاتم عن عينين حُجِبَتا عن رؤية مشاهد الإيجاد والإمداد المتجددة في كل لحظةٍ من لحظات الوجود تصرخ في كل مَن له عينان: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ (لقمان:11)، فلا تنسوا ذكره فينساكم ويُنسيكم أنفسكم.

وطوبى لمن صرخ فأسمع الله بصرخته آذانًا صمًّا توارت زمنًا خلف حجب كثيفة من الشهوات والشبهات، منعتها أن تصغي لصوت الرحمة الإلهية ينادي الإنسانية المعذبة التائهة: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾.

وطوبى لمَن أحيا الله به قلوبًا دبَّ فيها الموات، وجدد الله به حياة تسرَّب إليها البلى، وزكَّى الله به نفوسًا دُسَّت في ركامٍ هائل من زخرف الحياة الدنيا، وقوَّى الله به عزمًا أصابه الفتور الذي أقعده عن المكرمات، وأحيا الله به الأمل في نفوس كاد اليأس أن يقتلها، وأسكب الله به الطمأنينة في قلب توزعته الأهواء وبددته المخاوف، فلم يجد بابًا ليس دونه بواب، ولم يجد أملاً لا يستحيل إلى سراب إلا في جوار الله العزيز الوهاب؛ فلهج بذكره واعتذر عن نسيان حقه فيما سلف من عمره وفرَّط من أمره، وعاهده أن يبقى سلمًا لأوليائه حربًا على أعدائه ما بقيت السموات والأرض.

إن إحساس الإنسان أن اسمه سوف يُذكر في مجال التكريم في حفل محدود يُدخل السرور إلى نفسه، ويزداد سروره كلما زاد نطاق الذكر والتكريم؛ فالذكر في وسيلةٍ من وسائل الإعلام أحظى من التكريم في قاعةٍ مغلقةٍ أمام جمعٍ محدودٍ من الناس، وهذا الشعور غريزة يُسميها علماء النفس غريزة حب التقدير، وهي أحد دوافع السلوك الإنساني وموجهاته، فهي تدفع الإنسان إلى أن يسعى ما وسعه السعي، ويجتهد ما أطاق الاجتهاد، ويسلك كل دربٍ، ويطلب كل طريق، ويأخذ كل عُدة، ويركب كل مركبٍ يوصله إلى هذه النتيجة السارة السعيدة.

فإذا كان الأمر كذلك فلمَ يغفل الإنسان عن أعظم لذة وأوفر سعادة وأسبغ نعمة وأوسع ذكر؟!، إن الذكر هنا من الله وهو رب العالمين، وهذا الذكر في الملأ الأعلى الذي لا يقارن أبدًا بأكبر تجمعات الدنيا عظمةً ووجاهةً، وهو ذكر في اتساعه لا يعلمه إلا الله؛ فنحن لا ندري شيئًا عن اتساع هذا الملأ الأعلى وما فيه ومن فيه من الملائكة الكرام، وهو في بقائه وديمومته لا يبيد فكيف نفضل المنقطع على الدائم والفاني على الباقي، والأدنى على الأعلى، والمحدود على اللانهائي؟!!!