عدم التثبيت أو التبين

وهي آفة خطيرة لا يكاد يسلم من شرها إلا من كان ذا صلة قوية متينة بربه وكان حصيفا وإذ انتشرت بين الأخوة أصبحت كالدخان الذي يخنق الأنفاس والشبورة التي تعيق الرؤيا والحركة.

ومعناها السرعة أو عدم التأني والتريث في كل ما يمس إخوانه بل الناس جميعا من أحكام أو تصورات ومن تناقل وتداول لهذه الأحكام وتلك التصورات دون فهم دقيق للواقع وما يحيط به من ظروف وملابسات.

قال تعالى 🙁 إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)

وأسباب هذه الآفة

1 ـ الاغترار بجميل الكلام: فقد يغتر الشخص ببعض الألفاظ المعسولة والعبارات الخلابة فيتناسى التثبت والتبين وقد لفت النبي ﷺ النظر إلى هذا السبب حين قال: (إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها).

2 ـ أن يكون الكلام موافق لهواه: فحينما يكون الكلام المنقول له موافق لهوى عنده يتناقله وينسى حينها التثبت والتبين

3 ـ الغفلة عن أهمية التثبت من الأخبار: رغم أنه أمر قرآني قال تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)

4 ـ عدم التحلي بالصمت وحفظ اللسان: فالنبي ﷺ يقول (كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع)

5 ـ الحماس أو العاطفة الإسلامية الجياشة: ذلك أن هذا الحماس أو هذه العاطفة ما لم تكن موزونة بميزان الشرع، ومحكومة بلجام العقل، فإنها تسلب صاحبها الإدراك، وإذا به يخطئ كثيراً، ومثال ذلك تسرع أسامة في قتل الرجل فقال له رسول الله ﷺ يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم “

6 ـ التعلق بعرض زائل من الدنيا: وذلك أن حب الشيء يعمى ويصم، ويحول بين الإنسان وبين استطلاع الموقف وتبين الحقيقة

7ـ الجهل بأساليب أو طرق التثبت: ومنها:

ـ السؤال أو المناقشة لصاحب الشأن وخير ما يوضح ذلك موقفه ﷺ من حاطب بن أبى بلتعة لما كتب إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي ﷺ وأطلع الله عز وجل نبيه على الكتاب وجيء به إليه صلى الله عليه وسلم إذ دعاه النبي ﷺ وسأله قبل أن يقضى في أمره قائلا 🙁 يا حاطب ما هذا؟ فقال: يا رسول الله لا تعجل على إني كنت أمرؤا ملصقا من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فعذره النبي ﷺ وقال: (أما إنه قد صدقكم) ولما استأذن عمر في ضرب عنقه قائلا: (وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)

– الإصغاء الجيد بل والمراجعة إذا لزم الأمر أو أشكل الأمر فكم من كلام تناقل على لسان آخر ولم يقصده أبدا ويكون الخطأ من فهم الناقل للكلام.

– التجربة والملاحظة من خلال المعايشة والمصاحبة، فهذا عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – يثنى رجل على آخر في مجلسه فيقول عمر للرجل الذي أثنى: هل صحبته في سفر قط؟ يقول: لا، فيقول له: هل كانت بينك وبينه معاملة في حق؟ يقول: لا، فيقول له:” اسكت فلا أرى لك علماً به”.

فحري بكل أخ صادق حريص على رابطة الأخوة أن يحفظ نفسه ومن حوله من هذه الآفة الخطيرة وأن يتحلى بالتثبت والتبين من أي كلام أوحكم يطلقه وأن يحفظ لسانه بالتكلم فيما لا يعلم.

كاتب المقال منصة ومضات تنير الدروب