سوء الظن

وهي من الآفات التي تقطع رابطة الأخوة في الله وإذا انتشرت بين الأحباب أصبحت كالنار في الهشيم لا تبقي ولا تذر.

ومعناها: امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس، حتى يطفح على اللسان والجوارح وقيل: عدم الثقة بمن هو لها أهل.

وسوء الظن أمر منهيٌ عنه في القرآن والسنة قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا” وقال رسول الله ﷺ “إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا”

فسوء الظن يؤدي إلى انعدام الثقة بين الإخوان، فالأصل عند من يسيء الظن هو إساءة الظن بجميع الناس من حوله بدون استثناء بمن فيهم أقرب الناس إليه، مما يؤدي إلى نفورهم منه وتركه وحيداً هو وأفكاره وشكوكه السيئة.

ف مسيء الظن في الغالب يشعر أنه فطنٌ ذكيُ يفهم الناس ويحذر أذاهم قبل وقوعه ولكنه لا يعلم أنه يقترف ذنباً كبيراً بحق نفسه وبحق الآخرين.

لذا تعتبر إساءة الظن من أسوأ الأمراض التي تصيب الأخوة وتحرمها من حلاوة الشعور بالتماسك والتلاحم والتراحم والمحبة بين أفرادها. فكم من قصة مأساوية سمعنا عنها أو شاهدناها كانت نتيجة سوء ظن الناس ببعضهم؟ وكم من تفرق بين الأهل والأحباب والأصحاب كان سببه سوء الظن؟

ومن آثار وعواقب سوء الظن على رابطة الأخوة:

الفرقة وتمزيق الصف:

ذلك أن شيوع سوء الظن يؤدي إلى أن يتراشق الناس بالتهم، ثم يسحبوا الثقة من بعضهم فيتباغضون، ويتدابرون، ويتقاطعون، الأمر الذي يؤدي إلى ذهاب ريحنا ونسلنا في مواجهة العدو، وذلك هو العذاب العظيم الذي حذرنا الله من أسبابه فقال: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

ـ طول أمد النصر وغلبة العدو:

فإذا جثم العدو على صدرنا بسبب الفرقة التي هي من آثار سوء الظن، فإن التكاليف تكثر، والطريق تطول، إذ ليس من السهل أن يخلي العدو لنا طريقنا، وإنما يحتاج إلى جهاد ومجاهدة وصبر ومصابرة ومثابرة ومرابطة حتى يزحزح ويزاح من طريق الناس، وليلة تحت قيادة العدو تحتاج منا إلى تكاليف وتضحيات لسنة، لمحو آثار الشر التي غرسها في هذه الليلة وصدق الله: (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)

وعلاج سوء الظن:

ـ الالتزام بآداب الإسلام في الحكم على الأشياء والأشخاص من الاعتماد على الظاهر وترك السرائر إلى الله وحده الذي يعلم السر وأخفى، ومن طلب الدليل والبرهان، ومحض ذلك الدليل وهذا البرهان، بل والتأكد من عدم تعارض وتضارب الأدلة مع بعضها البعض

ـ الالتزام بآداب الإسلام في النجوى من عدم تناجي اثنين فما فوقهما دون الآخر حتى يوجد معه من يناجيه أو يختلط الجميع بالناس، ومن كون هذه النجوى في الطاعة والمعروف دون المعصية والمنكر.

ـ تجنب الوقوع في الشبهات ثم الحرص على دفع هذه الشبهات إن وقعت خطأ أو عن غير قصد كما حدث في قصة الرسول ﷺ وأمنا صفية رضي الله عنها.

ـ معاملة التائبين من الناس بحاضرهم لا بماضيهم: وإذا كان الله سبحانه الذي أساء هؤلاء وأجرموا في حقه قد تجاوز وعفا فنحن في التجاوز والعفو أولى وأحق، ولا سيما ونحن في المعاصي مثلهم وربما أشد.

فما أجمل أن يتجنب الذين تجمعهم رابطة الأخوة من هذه الآفة التي تمزق الأخوة وتؤخر النصر ويجعلوا حسن الظن بإخوانهم شعارهم ومنهجهم فبحسن الظن ننال رضا الله ونستحق معيته ونصره.

كاتب المقال منصة ومضات تنير الدروب