الجدال والمراء

ومن أخطر الأشياء التي تفتت رابطة الأخوة وتُذهب ريحها هي آفة الجدال والمراء حينما تنتشر بين الإخوان يقول الأوزعي: ” إذا أراد الله بقوم شرًا ألزمهم الجدل ومنعهم العمل“.

ومعنى المراء: ” الطعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه، من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقيره” وقيل: “هو أن يستخرج الرجل من مناظره كلامًا ومعاني الخصومة وغيرها”.

وهو آفة عظيمة وداء عضال تمكن من بعض الناس، فتراهم في مجالسهم ومنتدياتهم وأحاديثهم يتجادلون ويتناقشون ويمارون بعضهم بعضا، ولربما ثارت بينهم الخصومات والعداوات بسبب هذا الجدل والمراء.

ولأن رسولنا ﷺ يعلم أن التخلي عن هذه الآفة شاق على النفوس التي ألفتها فقد بشر من تركها بهذه البشارة العظيمة:” أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لمن تركَ المِراءَ وإنْ كان مُحقًّا ” فيا فوز من أدَّب نفسه وألجمها بعدم الخوض في الجدال والمراء حرصا على قلبه وحرصا على الأخوة في الله وحرصا على مصاحبة الرسول ﷺ في الجنة.

ـ الأثار السلبية للمراء والجدال:

ـ يقطع العلاقات ويفسد الأخوة:

قيل لعبد الله بن الحسن بن الحسين: ما تقول في المراء؟ قال: “يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن يكون طريقا للمغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة”. وقال نبي الله سليمان عليه السلام لابنه: “دع المراء فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة بين الإخوان”. ورُوي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّه قال: (إذا أحببت أخًا فلا تماره) 

ـ يحرم الناس الخير:

فهذا النوع من الجدل يضيع على الناس الخير. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي ﷺ ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى أي تخاصم وتنازع رجلان من المسلمين فقال: “خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت”

ـ يفسد الطاعة ويُذهب أثرها.

قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وفي الصيام قال النبي ﷺ “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ” وفي رواية: “ولا يجادل”.  فالجدال يزرع الضغائن وينشر العداوات وتذهب معه حلاوة الطاعات.

ـ أسباب الجدال والمراء:

ـ التكبر والعُجب: فكبر بعضهم يمنعهم من قبول الحق والعمل به: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وهذا النوع من الجدال يهلك صاحبه ويضله ويعميه ويجعله يوم القيامة من الخاسرين.

ـ التقليل من شأن الآخرين: وهذه آفة عظيمة قلَّ من يسلم منها، فهي دأب كثير من الناس. والدافع إلى هذا النوع من الجدال شعور الشخص بتميزه ورجاحة عقله ومحاولة تسفيه آراء الآخرين.

ـ عدم العلم وقلة الفقه.

وحينها يصير الجدال هدفاً في حد ذاته، وليس وسيلة للوصول إلي الحق. روى ابن ماجة في سننه عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: “لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ.

وفي الختام نقول أنَّ آفة الجدال والمراء تؤثر على إيمان العبد –  يقول ابن عمر رضي الله عنهما: (ولن يصيب رجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء، وهو يعلم أنَّه صادق” فلذلك فتربية نفسك على ترك المراء ولو كنت صادقا من لوازم الإيمان، فما أجمل أن تتخلى عن هذه الآفة حرصا على قلبك وإيمانك وحرصا على رابطة الأخوة التي هي أوثق الروابط وأمتن العلاقات.