الصبر واليقين

 إن كان المؤمن العادي في حاجة شديدة إلى الصبر ليتقوى به على البلاء ، وتجنب المعاصي ، وفعل الطاعات فإنَّ الداعية إلى الله يحتاج إلى صبر أخص ؛ فهو بحاجة إلى ما يحتاجه المؤمن من الصبر ، إضافة إلى حاجته إلى الصبر على السعي في مصالح المسلمين ، وعلى انحراف طبائع الناس وغرورهم ، والصبر على وقاحة الطغيان ، وانتفاشة الباطل ، مع طول الطريق وكثرة العقبات .

الصبر شرط تحقق الإمامة :ـ

قال تعالى ” وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ

فلم يستحقوا الإمامة في الدين إلا بعد ما تخلقوا بالصبر على شهوات الدنيا وملذاتها وعواقب الطريق وصعوبته  واليقين بدفع الشبهات التي يليقيها المرجفون في طريق الدعاة والمصلحين  فمن أراد أن تكون له الإمامة على الناس فليتحقق بالصبر واليقين

الصبر سلاح الرسول ﷺ :ـ   

فالله عز وجل خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا موصيًا إياه بالصبر، فقال: ” وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ

 وقال عز وجل: ” فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ” فاصبر أيها الرسول, وامض في طريق الدعوة, إن وعد الله حق, وسيُنْجِز لك ما وعدك, فإما نرينَّك في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب, أو نتوفينَّك قبل أن يحلَّ ذلك بهم, فإلينا مصيرهم يوم القيامة, وسنذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون.

الصبر من وصايا لقمان لابنه:ـ  

فالأمر بالصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في وصية لقمان لابنه: “وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ”  فيه إشارة إلى أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو أحوج من غيره إلى الصبر؛ وأن كل من دعا إلى الله وآمن بالله لا بد أن يبتلى وأن يمتحن، ولا بد أن يعادى كما قال سبحانه: ” الم ـ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ

الصبر أساس النصر

وقد سُئل الفارس الجاهلي المشهور عنترة بن شداد، فقيل له: كيف تغلب الخصوم إذا بارزتهم؟

قال: كلما قالت لي نفسي: فر واهرب سيقتلك، قلت لها: اصبري قليلًا لعله يفر قبلي، وما أزال بها حتى يفر.

الصبر يعين الداعية على ضبط النفس:

ضبط النفس عن الاندفاع بعوامل الضجر، والجزع، والملل، والعجلة، والرعونة، والغضب، والطيش، والخوف، والطمع، والأهواء، والشهوات، وبالصبر يتمكن الداعية أن يضع الأشياء في  مواضعها، ويتصرف في الأمور بعقل واتِّزان، وينفِّذ ما يريد من تصرف في الزمن المناسب بالطريقة المناسبة الحكيمة.

فمن أردا أن ينجح في اختبار الثبات والصمود في مجال الدعوة إلى الله في ظل الفتن وغربة الدين فعليه أن يتسلح بسلاح الصبر  فهو سلاح الأنبياء والمصلحين على مر التاريخ ” فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ