شروط الانتفاع بالمجالس التربوية

لقد سبق أن عرفنا أن هناك انتفاعا مقطوعا به بحلق الذكر والتربية، لأن (الذكرى تنفع المؤمنين) كما أخبرنا الله تعالى، ولكن هذه الانتفاع يمكن أن يزيد أو ينقص، وهو يزيد بشرط يكون في الجالس، وشرط يكون في الجلسة:

1- أما الشرط الذي في الجالس: فأن يكون مؤمنا مصدقا بما في هذه الجلسات التربوية من خير وأجر، وهذا الوصف مشروط صراحة في القرآن في قوله تعالى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، فالذكرى تنفع من يؤمن بالله وبموعود الله، وذلك لأن هذا الإيمان سيفتح القلب والعقل للاستفادة ولو من كلمة واحدة تقال، وسيشحذ الهمم لحسن الإعداد والاستعداد. كل ذلك يزيد كلما زاد إيمان الجالس والجلساء بهذه الجلسات وما فيها من خير وأجر، وكلما زادت خشيتهم وخوفهم من مثل الوعيد الذي لحق النصاري واليهود الذين نسوا حظا مما ذكروا به، قال الله تعالى: {سيذكر من يخشى} (الأعلى:10)، وقال: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} (ق : 45) . أما الذين ليس لهم استعداد على الإطلاق لسماع الذكرى، فإنهم يولون على أدبارهم نفورا كما وصفهم القرآن والعياذ بالله {وإذا ذكرت ربك في القرآن ولوا على أدبارهم نفورا} (الإسراء: 46).

2- وأما الشرط الذي في الجلسة التربوية، فهو أن تتقن الوسائل الموصلة إلى مقاصدها الموضوعة لها، فجلسة تربوية ليس فيها ذكرى جيدة لا يمكن أن يتذكر جيدا من فيها، وجلسة تربوية ليس فيها رحمة لا يمكن أن يتراحم من فيها، وجلسة تربوية لا تكون في الله ولله، لا يمكن أن تنال جوائز الله إلا أن يشاء الله، وجلسة ليس فيها علم لا يرتجى أن يتعلم من فيها، وجلسة ليس فيها التزام بالمواعيد، لا يرتجى أن تخرج أناسا يلتزمون بالمواعيد.

إن المقاصد والمنافع التي ذكرها القرآن والسنة، والتي يتصورها العقل، من وراء الجلسات التربوية هي في نفس الوقت مقايسس نقيس بها وسائل هذه الجلسات، فالمقاصد الجيدة لا تحقق إلا بوسائل جيدة.

والشرط الجامع للجلسة التربوية النافعة أن تجمع بين العلم النافع والعمل به، بل هذه هي الميزة التي تضيفها الجلسات التربوية إلى غيرها من الجلسات المشابهة، وهذه هي صفة الجلسة التربوية النبوية مع الصحابة، فقد”كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا فعلمنا العلم والعمل” رواه أحمد. وقد أمر الله تعالى بتدريب واختبار اليتامى في إدارة أموالهم قبل تسليمها إليهم:{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}(النساء:6}، ويقاس على هذا كل أمر مهم نطلبه ونذكر به، ولهذا حج النبي صلى الله عليه وسلم راكبا على الناقة حتى يتعلم منه المسلمون عمليا، وقال:” لتأخذوا عني مناسككم” رواه مسلم ، وفي الصلاة قال:” صلوا كما رأيتموني أصلي” رواه ابن حبان والبيهقي والدارقطني.