صفات وسمات رجل الدعوة

صاحب الدعوة رجل إيجابي: “إن الداعية روح مفعم بالحق والنشاط والأمل واليقظة، فمهمته العظمي أن يرمق الحياة بعين ناقدة وبصر حديد، حتى إذا رأي فتوراً نفخ فيه من روحه ليقوى، وإذا رأى انحرافاً صاح به ليستقيم”.

صاحب الدعوة قوي الإرادة: “…على حين أنه إيمان مُلتهب مشتعل قوى يقظ في نفوس الإخوان المسلمين، ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين أن نؤمن بالفكرة إيماناً يخيل للناس حين نتحدث إليهم عنها أنها ستحملنا على نسف الجبال وبذل النفس والمال واحتمال المصاعب ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا”.

صاحب الدعوة رجل معطاء: “وكم أتمنى أن يطلع هؤلاء الإخوان المتسائلون على شباب الإخوان المسلمين، وقد سهرت عيونهم والناس نيام، وأكب أحدهم على مكتبه من العصر إلى منتصف الليل عاملاً مجتهداً ومفكراً مجداً.

صاحب الدعوة رجل مضحِ: “قليل من الناس من يعرف أن الداعية من دعاة الإخوان، قد يخرج من عمله في القاهرة عصر الخميس، فإذا هو في العشاء بالمنيا، يحاضر الناس، وإذ هو في صلاة الجمعة يخطب بمنفلوط، فإذا هو في العصر يحاضر في أسيوط، وبعد العشاء يحاضر بسوهاج، ثم يعود أدرجه فإذا هو في الصباح الباكر في عمله بالقاهر قبل إخوانه الموظفين.

صاحب الدعوة رجل ذو همة عالية: “وإن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا، وتنهض لمهمة كمهمتنا، وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها، لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تعلل بالآمال والأماني.

صاحب الدعوة رجل حكيم: فصاحب الدعوة حكيم في تصرفاته، وترتيب أولوياته، فهو يقدم الأهم على المهم، ويركز في دعوته على العقائد قبل العبادات، والأخلاق والفرائض قبل المندوبات والنوافل، ودرء المفاسد على جلب المصالح.

صاحب الدعوة رجل اجتماعي: الإنسان اجتماعي بطبعه يتعامل مع من حوله.. ويتكيف معم ويخالطهم.. ويتأثر بهم ويؤثر فيهم.. ويأخذ منهم ويعطيهم.. ومهما حاول الإنسان أن ينطوي على نفسه وينزوي بعيداً عن الناس.. فسوف يأتون إليه وتفرض عليه معاملاتهم ومخالطتهم.

صاحب الدعوة يوظف الإمكانيات المتوافرة لديه: فصاحب الدعوة القائد رجل فطن.. ويتميز بالذكاء… ولا يقبل بالسلبية… ولا يستسلم للشخصية الانعزالية… ولا يقبل بالبطالة وسط أبناء دعوته.. فهو يوظف كل الطاقات… ويستفيد من كل الإمكانات المتاحة صغيرة كانت أم كبيرة.

صاحب الدعوة يؤثر العمل دائماً: فصاحب الدعوة يؤمن بالمعادلة الرياضية التي تقول: انتماء حقيقي = مظاهر عملية

يقول الإمام الشهيد: “وقد خالف هذا النظام القرآني غيره من النظم الوضعية والفلسفات النظرية، فلم يترك مبادئه وتعاليمه نظريات في النفوس، ولا آراء في الكتب، ولا كلمات على الأفواه والشفاه، ولكنه وضع لتركيزها وتثبيتها والانتفاع بآثارها ونتائجها مظاهر عملية، وألزم الأمة التي تؤمن به وتدين له بالحرص على هذه الأعمال.

أنواع التضحية:

صاحب الرسالة يتقلب بين ألوان التضحية المختلفة، فمنها التضحية:

بالراحة:

ومن مفردات الراحة مكوث المرء في بيته، وهو عيب في عُرف شامخي الهمم، كما نطق بذلك لسان الصحابي المُبشَّر بالجنة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه حين قال: “إن أقلَّ العيب على المرء أن يجلس في داره .

وكانوا يكرهون الراحة وكل ما يدعو إلى الراحة أو يُذكِّر بالراحة، واستمع إلى همة عطاء بن أبى رباح وهو يقول: “لأن أرى في بيتي شيطانا خير من أرى وسادة لأنها تدعو إلى النوم”.

فلا بيت ولا وِسادة، كانوا قديما يألفونهما قبل الالتحاق بركب الدعاة ومعرفة شرف المطلوب وعظمة المهمة وجلال الخطب وفداحة المصاب واحتدام الصراع، أما اليوم فمحال.

هؤلاء علموا أنهم إن استراحوا غزاهم الشيطان في عُقر دارهم وغرفات نومهم،

وتأمل مقالة أبي حامد الغزالي – رحمه الله تعالى المنبثقة عن مشاهداته: “اعلم أن كل قاعد في بيته – أينما كان – فليس خالياً من هذا الزمان عن منكر من حيث التقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحملهم على المعروف”.

بالمال:

صاحب الرسالة يسخِّر ماله لدينه ويوظِّفه لدعوته، لأنه علم أن المال مفارقه لا محالة لذا أخرجه طواعية مثابا قبل أن يخرج عنه مُجبرا مُهانا في صفقة تجارية خاسرة أو حادث مفاجئ أو نفقات علاج مرض خطير.

صاحب الرسالة يدرك أن الله سائله عن ماله فيم أنفقه، وأن أكثر ما يُفرِح الرب هو إنفاق المال لنشر دينه ينفق ماله في سبيل الله ولو كان في أمس الحاجة إليه.

صاحب الرسالة يخاف تبعة الغنى حين يرى بعيني رأسه عددا من إخوانه لما كثر المال لديهم أصبحوا عبيد للمال، وانشغلوا عن رسالتهم ودعوتهم بعد أن كانوا رفقاء الأمس وشركاء الهم والأجر.

صاحب الرسالة يرى أن عقارب الساعة تطارده وملك الموت يلاحقه، لذا يبادر بالإنفاق قبل أن يغادر ساحة هذه الحياة.

صاحب الرسالة يرى في إنفاقه فضل ربه عليه فلا يرى نفسه ولا إحسانه وإنما يرى ربه وإحسانه.

قد يرهق الأخ نفسه بأقساط تكبِّله ثم يتعلل بكثرة مسئولياته وثقل أعبائه ليبرِّر بخله ويُسوِّغ لنا تخلفه، ويعِد إخوانه أنه لن يتأخر عن الدعوة بماله، وما درى أن الشيطان قد اصطاده في كمين محكم، وأن مسألة تساقطه مسألة وقت!!

بالوقت:

أوقاتهم كلهم لله، فلا يحصرون وقت الدعوة في نشاط محدود بل كل سكناتهم وحركاتهم مسخَّرة لدعوتهم، إن طُلِبوا وُجِدوا، وإن دعاهم دينهم لبّوا.

كمال التضحية..

أصحاب الرسالة عشاق كمال، فنحن عشاق الكمال، ومن كمال التضحية: المداومة على التضحية حتى يتعوَّد القلب لذة العطاء كما اعتاد لذة الأخذ.

ومن كمال التضحية: الفرح بالتضحية كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله : “ما علمتُ الرجل يبكي من شدة الفرح إلاعنها في شأن أبيها أبي بكر يومئذ حينما رأيت أبي يبكي من شدة الفرح”.

ومن كمال التضحية: الثبات على التضحية حتى الممات.

عن عبد الله بن شقيق قال: “سألت عائشة: أكان رسول الله يقرأ السورة في ركعة؟

قالت: المفصَّل .

قال: قلت فكان يصلي قاعدا؟!

قالت: حين حَطِمه الناس”.

وحطمه الناس: تُقال للرجل إذا كبر عمره وصار شيخا، ويُقال: حطم فلانا أهلُه إذا كبر فيهم كأنه لما حمل من أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم صيَّروه شيخا محطوما.

والمنتظر منك يا من قدوته نبيه أن تقتفي أثره وتقلِّد، فتواظب على دعوتك شابا وشيخا، صحيحا وسقيما، فارغا وشغولا حتى يحطمك الناس في سبيل الله، ويمتصوا مجهودك وأنت تدعوهم حتى آخر رمق، ويقطفوا ثمرة فؤادك من فرط حرصك على هدايتهم وأنت تُسلِم الروح، ترجو بذلك تحقيق التأسي الكامل بحبيبك الذي كان يقول عند موته: “الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم”.

يعلِّم بذلك حملة الرسالة من بعده درسا بليغا:

أن يحملوا هم الدعوة دائما وفي أحرج الأوقات لا في لحظات عابرة فحسب، فما كان لصاحب الرسالة أن ينسى دعوته لحظة، وهل ينسى المريضُ مرضه، والجائعُ جوعته، والمحمومُ حُمَّاه،

نعم .. لا يترك داعية دعوته إلا إذا تركت الكواكب أفلاكها والوحوش أوكارها. ..

إن الطيور وإن قصصتَ جناحها تسمو بفطرتها إلى الطيران

أحبتاه .. اذكروا أن التضحية وقود الدعوات، وأنه كلما عظمت التضحيات كبرت مكاسب الدعوة، واقترب نصرها ودنت غاياتها وبقدر ضخامة الهدف تكون التضحية من أجله.

وقديما قالوا: من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، وطلبنا أن نعيد لهذا الدين عزه، ونرد له مجده المستباح وكرامته السليبة،

مرادنا أن تعود الشريعة الغراء ترفرف في سمائنا، وأملنا الذي يحدونا أن نرفع الظلم عن إخواننا في كل بقاع الأرض.

ألا تستحق كل هذه الأهداف الجليلة منا التضحية في سبيلها ..

ألا نسترخص في سبيل ذلك العرق والجهد والألم والبلاء؟!

وقفة فوثبة!!

والآن .. أخي .. ضع نفسك في غرفة المحاسبة وعلى كرسي الحقيقة .. وواجهها بقولك:

أهل الباطل يبذلون في سبيل الباطل ليدخلوا النار، فماذا بذلتُ أنا في سبيل الحق لأدخل الجنة؟!

هل وعيتُ حقا وصية الفاروق وأثبتَّ له بعملي أني خير وريث وهو الذي علَّمنا: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا).

هل جلست مع نفسك يوما في لحظة صفاء وصدق تسألها:

ما هو الأثر الذي سأتركه خلفي؟!

ما هي القُربى التي أرجو أن يصلني ثوابها بعد موتي؟!

واجه الحقيقة ولو كانت مُرَّة:

كم مضى من عمرك، وماذا قدَّمت فيه لدينك؟!

راجع النعم التي اختصَّك الله بها وانظر فيم سخَّرتها؟

هل استحوذَت عليها دنياك أم ادَّخرت منها شيئا لدينك الجريح وقومك المغلوبين؟!

اطرح عنك تلبيس إبليس وأعذار المفاليس ..

واسأل نفسك الآن والله مطلع عليك:

هل تعمل لدينك وتبذل لدعوتك ما دمت فارغا، فإذا عرفتك الأسواق وصفقات التجارات توارت الدعوة عندك إلى الأولوية العاشرة؟!

هل تقدِّم لدعوتك هوامش أوقاتك وفضلة حياتك؟!

هل تسعى لمد الدعوة بروافد جديدة كما تسعى لمد راتبك بموارد جديدة؟!

هل يؤرِّقك نشر الهداية وتوسيع رقعة الصالحين كما يؤرِّقك السعي على الرزق وتأمين حياة أبنائك المقرَّبين؟!

ألا ما أحلى هذه الجلسات التأملية المباركة التي يعقبها القرار الحاسم والقفزة الجريئة نحو البذل الفريد والتضحية الفذَّة.

المعينات على التضحية

1- استشعار حجم التحديات التى تواجه الأمة واستشعار المسئولية الشرعية تجاهها.

2- استشعار الأجر والثواب للمضحين والمجاهدين وكذا أجر الوفاء بالبيعة مع الله عز وجل .

3- التحقق العملى الحقيقى بالانتماء الصادق للدعوة والأمة .

4- ذكر الموت والدار الآخرة والتمنى الصادق لحسن الخاتمة والشهادة فى سبيل الله .

5- المحافظة على العبادات والأوراد وركعات طويلة بين يدى الله والناس نيام .

6- مصاحبة النماذج المضحية المجاهدة من أبناء الصف ومن تاريخنا المعاصر والسلف الصالح من لدن رسول الله وصحابته الكرام..