ولنا أن نعيش مع موقف حيٍّ من هذه التربة القرآنية والتي يذكرها الأستاذ عبد الحكيم عابدين (السكرتير العام للإخوان المسلمين) عن السيدة نعيمة خطاب، زوجة المرشد العام المستشار حسن الهضيبي، والتي تولت قسم الأخوات فترة من الزمن فقال:

«عندما استقل الأستاذ الهضيبي الطائرة في صيف 1954 متجهًا إلي السعودية وبعض بلاد الشام، جاءني سائق السيارة– التي خصصها مكتب الإرشاد العام لاستعمال المرشد دون غيره من قادة الإخوان– يسألني ما يصنع بالسيارة بعد أن سافر المرشد العام فأمرته بقيادة السيارة إلي داره بروضة القاهرة لوضعها تحت تصرف السيدة عقيلته، وما هي إلا لحظات حتى عاد (الأسطى سيد) بالسيارة إلي منزلي في منطقة سراي القبة، يذكر أن السيدة لم تقبل السيارة، بل أعلنت ألا حاجة لها فيها، فضلا عن استحالة الاستفادة بها، حتى لو دعت الحاجة، لأنها لا يحق لها استعمالها.. غضبت على السائق أن غادر بيت المرشد مكررا إليه الأمر بإعادتها ووضع نفسه والسيارة رهن تصرف السيدة الفاضلة.

وما لبث (الأسطى سيد) أن أثار شفقتي وهو يسألني بلهجة التوسل أن أرحمه من كثرة التردد بين بيتي وبيت المرشد وأن أفض هذا الخلاف هاتفيًّا بيني وبين السيدة الجليلة، ثم أصدر الأوامر إليه وفق ما يتم عليه الاتفاق. ورأيت المنطق في طلب السائق المسكين، فأمسكت الهاتف وأدرت الحديث مع السيدة الفضلى مستخدما كل ما أملك من وسائل الإقناع، دون أن أبلغ مثقال ذرة، من صخرة الورع التي اعتصمت بها السيدة في قولها: «إن السيارة مخصصة للمرشد العام بصفته، لا لحسن الهضيبي بشخصه. فإذا غاب المرشد العام فلا حق لأحد من أهله أن ينتقل بها لبضع خطوات».

توسلت إليها بمبررات جديدة لاحتفاظها بالسيارة، وقلت لها: «إنك تقومين برعاية نشاط الأخوات وتنتقلين بين شعبهن للتفقد والإرشاد وبذلك تحتاجين إلى السيارة؛ لتحققي بها الدعوة أجل الخدمات!»، ولكن الداعية الحصيفة الواعية كانت أمنع من أن يستدرجها هذا المبرر الجديد إلى قبول السيارة، إذ راحت تقول إنني أتفقد الشعب والأخوات وفقا لجدول أضعه وتعتمده، فاحتفظ بالسيارة حتى إذا أرسلت لك جدول زياراتي واعتمدته أرسلت معه السيارة إن شئت، لأستخدمها في حدود ما يلزم لتنفيذه!

وهكذا كان بيت حسن الهضيبي الذي قضي بقية عمره حتى بلغ الثمانين في السجون، وشاركه المحن كل أفراد أسرته حيث اعتقلت زوجته وبناته وبنيه جميعا، لكن لم تلن لهم قناة وظلوا على درب طريقهم سائرين.