على خطي الإمام البنا

في الذكري التاسعة والستين لرحيل الإمام البنا رحمه الله لابد من وقفة تدبر لرحلة هذا الرائد العملاق مع الدعوة، وتأمل دروس رحيله عن دنيانا بهذه الطريقة التي أفجعت كل من في قلبه مثقال ذرة من إنسانية، ليكون ذلك زاداً لنا في هذا الطريق الذي لا نرجو من السير فيه إلا رضوان الله تعالي وحسن مثوبته.

وإذا كان الإمام البنا رحمه الله قد لقي ربه شهيداً فإن الطريق الذي رسم معالمه بلمحات فكره ودقات قلبه وقطرات دمه لم يزل واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، فهو نفس الطريق الذي سار فيه من قبل أنبياء الله ورسله المختارون لهداية خلقه إلي الحق وقيادتهم إلي الرشد ودلالتهم علي الخير، وهو طريق الصالحين المصلحين منذ آدم عليه السلام، طريق نوح وإبراهيم وموسي وعيس ومحمد صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين، هو طريق الحق والقوة والحرية، طريق الخير و النور والهداية.

ولد الإمام البنا عام 1906م، وأسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م، ولقي ربه شهيداً في الثاني عشر من فبراير عام 1949م؛ وقد ظل أكثر من عشرين سنة، وهو يشيد البناء: يضع قواعده، ويرسي دعائمه، ويقيم أركانه، وقد كان له من اسمه نصيباً؛ إذ بني فأحسن البناء؛ حتي وصف الشهيد سيد قطب ذلك العمل الفذ بأنه عبقرية البناء. لقد عاش البنا الدعوة الإسلامية بكل جوارحه؛ وجدد الإسلام في الرابع عشر الهجري، وسار علي خطي الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم، وكون جماعة تهتف بمجد الإسلام، وترفع راية القرآن، وتهتدي بسنة محمد عليه الصلاة والسلام، وربي شباباً يعشق الموت في سبيل الله، إذا استحالت الحياة في سبيله سبحانه، ورفع لواء الجهاد، وقاوم المستعمر، وأيقظ في الشعب روح العزة والكرامة والحرية، ورفض الخضوع والخنوع والتبعية لقوي الشرق أو الغرب.

لقد كانت حياته القصيرة شعلة متقدة من النشاط والحركة الدائبة والعمل المتواصل والعطاء المستمر المتجدد؛ فلم يعرف الجمود له طريقاً، ولم يدق اليأس له باباً، ولم يحجم يوماً عن تضحية، ولم يتأخر يوماً عن بذل أو عطاء. لقد كانت حياته صفحة واحدة، أولها كآخرها، وآخرها كأولها، جهاد دائب، وسعي لاغب، واستقامة لا تحيد، وخلق يأسر القلوب، وانطلاقة كالسهم، لا توقفها حواجز، ولا تمنعها عقبات.

لقد تآمرت عليه مجموعة من الدول التي كانت تقود المشروع الغربي آنذاك وعلي رأسها بريطانيا وأمريكا، واستخدمت الملك ونظامه وبوليسه كقفاذ قذر لتنفيذ هذه الجريمة النكراء في قلب القاهرة، بعد أن قامت حكومة إبراهيم عبد الهادي بحل الجماعة واعتقال قادتها وشبابها وإغلاق مقراتها والاستيلاء علي ممتلكاتها، بينما كانت كتائب الإخوان في فلسطين تسطر أروع البطولات في قتال الغاصبين والدفاع عن أراضي المسلمين ومقدساتهم، وحماية الجيش المصري المشارك مع جيوش الجامعة العربية الستة: مصر وسوريا والعراق والسعودية والأردن ولبنان، وقد أظهرت الأحداث أن مشاركة هذه الجيوش في قتال اليهود كانت صورية، أو بالأحري تمثيلية هدفها التمكين لليهود في فلسطين.

نعم لقد كان الإمام البنا شهيد فلسطين والخلافةالإسلامية؛ فقد جعل من أهداف تأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين إعادة الخلافة الإسلامية بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924م علي يد مصطفي كمال أتاتورك، كما جعل من أهدافها أيضاً تحرير أراضي المسلمين من كل سلطان أجنبي، ومن ذلك تحرير مصر من الاستعمار البريطاني، ومنع اليهود من الاستيلاء علي فلسطين. واليوم لابد لنا أن نرفع هذين الهدفين لنستكمل تحقيقهما بلا كلل ولا ملل، فما زالت أراضي المسلمين تحت السلطان الأجنبي الغاصب، وما زالت الخلافة الإسلامية غائبة وبغيابها هان المسلمون في كل مكان. فلنعمل لهذين الهدفين فإن الشعلة التي أوقدها الإمام البنا في قلوب الإخوان والأمة لن تنطفئ بإذن الله حتى يتحقق هذين الهدفين. والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

واجبنا في ذكري استشهاد الإمام البنا رحمه الله:

أولاً: إعادة قراءة رسائل الإمام البنا التي تمثل المنهاج الفكري للإخوان المسلمين، والاستفادة منها في فهم الواقع الذي نعيشه؛ فقد كتبت في واقع مشابه؛ ومن يقرأها بتمعن وروية يشعر أنها تخاطبه الآن، وتصف الكثير مما يحياه في واقعه المعاش.

ثانياً: إعادة قراءة مذكرات الدعوة والداعية ونشرها بكل طرق النشر؛ ففيها – علي إيجازها- تعريف بالدعوة والداعية المؤسس رحمه الله، وليس أفضل في التعريف بالإمام البنا من الإمام نفسه رحمة الله عليه.