صفقة بملیون جنیه یسیل لھا اللعاب، ویضعف أمامھا أقوى الرجال، خصوصا وأن المطلوب لم یكن صعبا أو یمس بالكرامة أو الخلق أو التاریخ، بل إن الكثیرین یرونه حقا طبیعیا، ولم یكن الأمر
یتطلب أكثر من الذھاب إلى مبنى الشھر العقاري لاستخراج توكیل عام للقضایا للمحامي الذي تختاره!

الحكایة تبدأ عندما قام المستشار (ھاشم قراعة) الذي یعمل مع رئاسة الجمھوریة، بزیارة لبیت الداعیة الكبیرة زینب الغزالي، وبعد تقدیم واجب الضیافة سألته عن سبب الزیارة، فأبلغھا بأن الرئیس
أنور السادات كلفه بأن یعرض علیھا عرضا یرجو أن تفكر فیه جدیا، وھو أن ترفع دعوى أمام القضاء المصري تطالب فیھا بالتعویض عما تعرضت له من تعذیب نفسي وبدني رھیب منذ عام
١٩٦٥م وحتى الإفراج عنھا في عام ١٩٧١م، وأكد لھا أن رئیس الجمھوریة سوف ینفذ الحكم مباشرة ویعطیھا الملیون جنیه التي طلبتھا! وكل المطلوب منھا أن تقوم بعمل توكیل للمحامي لیتمكن
من رفع الدعوى ..

لماذا ھذا العرض؟
لأن الرئیس السادات عندما تولى السلطة عقب وفاة جمال عبد الناصر، كان یعاني من تضخم شخصیة (عبد الناصر) بصورة كبیرة في وسائل الإعلام وبین كبار رجال الدولة ولدى عامة الناس ، فقد صنع منه الإعلام بطلاً أسطوریا وزعیما قومیا وقائدا وطنیا لیس له مثیل في تاریخ مصر! ، وبالتالي فالرئیس الجدید (السادات) في حاجة إلى كشف المظالم في عھد سلفه حتى یمھد لنفسه.
كان الرئیس أنور السادات في حاجة إلى (شاھد عیان) مؤثر یقول للناس: أنتم مخدوعون في ھذا (الزعیم) الذي یكره الحریة ویعشق الاستبداد، ویدوس على الحرمات ولا یتورع عن تعذیب الأبریاء
.. والأدھى إن كان ھؤلاء الأبریاء نساء، من أمثال زینب الغزالي .. والمرأة في دیننا وأخلاقنا وأعرافنا لھا (حرمة) لا یجوز مسھا أو انتھاكھا أو إھانتھا .

استمعت المجاھدة الصابرة إلى كلمات المستشار قراعة وانتظرت حتى شرب الرجل قھوته، وقالت كلمات بسیطة في حروفھا، عظیمة في معانیھا، تُكتب بأحرف من نور في سجل تاریخ الدعوة والدعاة.
قالت الداعیة الصابرة: “إن أموال الدنیا كلھا لا تعّوضني عن ضربة سوط واحد تلقیتھا في سبیل الله، وإن أحدا من البشر، كائنا من كان، لا یستطیع أن یعّوضني عن لحظة واحدة قضیتھا في السجن، ولكني أنتظر الجزاء من الله العادل وحده، ولا أنتظر ممن سواه شیئا، أبلغ السید الرئیس تحیاتي وشكري ..”.

وفشلت الزیارة في إقناع الداعیة الكبیرة برفع الدعوي أمام القضاء والحصول على (الملیون) جنیه، التي ضمنھا رئیس الدولة !