لقد هاجمت الإخوان وهاجموني يوم فصلتُ ، وكان تظالماً وخيم العقبى على مستقبل الجماعة ، يغفر الله لنا فيه ما كان مني ومنهم!
فلما حَلَّت الدولة الجماعة للمرَّة الثانية، وأحسست أن ذلك لا يستفيد منه إلا اليهودية والنصرانية، سكتُّ مبتئساَ!
فلما بدأ التعذيب والتقتيل انضممتُ بقلبي وكياني كله إلى المستضعفين في الأرض، وبكيت لهم ما يلقون! وماذا عساي أفعل؟
إن المأساة التي يجب كشفها أن الإسلام نفسه يُضرب ، باسم ضرب الإخوان…!
لو أن واحداً أو أكثر يعاقبون لأخطائهم باسم الدين ، لقلنا: العدل يأخذ مجراه …!
أما أن تصادر نصوص ، وتطمس تعاليم ، ويلغى نصف الكتاب والسنة ، لأن جماعة ما أخطأت، فهذا هو العجب !.
ما معنى أن يعلن رئيس دولة إعجابه بشخص مرتدّ كمصطفى كمال ، وأن يأمر بإصدار طوابع بريد لتخليد ذكراه؟
كيف تخلد ذكرى فصل الدين عن الدولة، وجعل الحكم عَلمانيا؟
كيف تخلد ذكرى ضرب الإسلام، وإسقاط رايته وخلافته؟
والأعجب أن يصمت علماء السوء فلا يقولوا كلمة أبداً في هذا الفسوق ، ثم تراهم بعد يتسابقون في هجاء الإخوان لأنهم خرجوا على الحاكم؟ هل ولاؤكم أنتم له هو الإيمان؟
قال لي صديق يشتغل في الإعلام : طلبنا من فلان أن يضع لنا جملة أحاديث في تحديد النسل.
قال: تريدون أن أكتب بالتحليل أم بالتحريم؟
فقال له المجيب ساخراً : خمسة أحاديث بالحلّ ، وخمسة أخرى بالحرمة!
قلت:هذا الشيخ يصلح مفتيا للجمهورية ، أو وزيراً للأوقاف!
قال: أو شيخاً للأزهر؟
قلت بعد تريُّث: أو شيخاً للأزهر…!

إن أولئك الثلاثة في إبّان حكم العسكر حمَّلوا الإسلام ما لا يطيق ، لا في مصر وحدها، بل في أقطار أخرى!
إنهم ونظرائهم سخرا الفقه لهوى الرجال والنساء ، واخترعوا أحكاما ما أنـزل الله بها من سلطان…
وما كسبوا إلا غضب الله سبحانه، وكراهية الصالحين من عباده، وازدراء الجماهير المغلوبة على أمرها…

في هؤلاء يقول أحمد محرم:

أرى علماء الدين لا يحفظونه * ولا يرفعون اليوم رايته العليا
هم اتخذوا ما أحرزوا من علومه * سبيلا إلى ما يبتغون من الدنيا
إذا ما أتاهم جاهل بضلالة! * أتَوه بألفي عالم يحمل الفُتيا

في عصرنا هذا أقامت اليهودية دولة لها على أنقاضنا ؛ وأقامت الصليبية استعماراً طحن معالمنا وتراثنا ، واصطنع نوعاً من الحكم في بلاد الإسلام ليس لله ولاؤه ، ولا للإسلام انتماؤه .
فإذا تمرَد أهل الإيمان ، وهاجت غيرتهم على دينهم، قيل لهم: إن أحسن الحاكم فله الشكر وإن أساء فعلينا الصبر! وخير لنا أن نعتزل ونعض بأصل شجرة فلا نصنع شيئا…!
أين فريضة النصح؟!
أين فريضة الأمر والنهي؟!
أين فرائض الجهاد بأنواعه : البدنية ، والمالية ، والبيانية؟!

اختفى هذا كله ليقول عالم ينتسب إلى الأزهر في حاكم من أسوأ الحكام سيرة وأبينهم خيانة : لو استطعت لجعلته في مستوى من لا يُسأل عما يفعل!
إن الذين اتهموا الدين بأنه مخدر للشعوب، إنما استمدوا هذه التهمة من أقوال أولئك “العلماء” المفرطين .

تجنَّبت من شبابي الباكر هذه القافلة الخائنة ، وقلت: الوفاء لله ورسوله أبقى وأجدى!