التخلية قبل التحلية “4”

ما أن يبدأ موسم الطاعات إلا ويبدأ الأمل في التغير فما من أحد منا الا ويأمل في تغيير واقع العالم إلى ما يتمناه والحقيقة أن هذا الأمل مرهونٌ بمدى قدرتنا على تغير أنفسنا  يقول الإمام حسن البنا “ميدانكم الأول أنفسكم، فإن قدرتم عليها ، فأنتم على غيرها أقدر ، وإن عجزتم أمامها فأنتم عن غيرها أعجز”

وإن كانت النفس البشرية تميل إلى الدعة والفتور، والكسل والتسويف، حيث تغريها الشهوات، وتتأثر بما يحيط بها من زينة الحياة الدنيا، ولكي يرتقي الانسان بنفسه في حاجة إلى المجاهدة يتبعها التخلية ثم التحلية .

فالتخلية طهارة للقلب وتزكية للنفس، وقد قال تعالى لنبيه ﷺ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) قال ابن عاشور: قوله “تطهرهم” إشارة إلى مقام التخلية عن السيئات، وقوله “تزكيهم” إشارة إلى مقام التحلية بالفضائل والحسنات، فالتخلية تكون قبل التحلية كما يذهب أغلب أهل التربية.

قال تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ـ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ” قال ابن عاشور: معنى “تزكى“: عالج أن يكون زكياً؛ أي بذل استطاعته في تطهير نفسه وتزكيتها، وقُدم التزكّي على ذكر الله والصلاةِ لأنه أصل العمل بذلك كله، فإنه إذا تطهرت النفس أشرقت فيها أنوار الهداية فعُلمت منافعها وأكثرت من الإِقبال عليها.

 فعلى كل من أراد أن يطيع الله عز وجل أن يتخلى أولاً: عن المعصية ويتوب منها ويستبدل الطاعة بها، وينزع حبها من قلبه ، ومن حرص على أن يكون ذا خلق عظيم فإنه يعمل عملية جرد وتنقية لأخلاقه خُلقاً خُلقاً، وتخلية السيئ منها وتنحيته عنها واستبداله بالحسن، فإن كان فظاً غليظاً ترك ذلك إلى الرحمة واللين وهكذا فإنه يقوم بالتخلية إلى التحلية، فمن الجهل إلى العلم، ومن الغضب إلى الحلم، ومن البخل إلى الجود، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الطمع إلى القناعة، ومن الأثرة إلى الإيثار، ومن العقوق إلى البر، ومن المعصية إلى الطاعة في أمره كله.

فعلى من أراد تغير العالم فليبدأ أولاً بنفسه وقلبه يتخلى عن المساوئ ويتحلى بالمحامد ويطلب العون من الله كما هو هدي النبي ﷺ “اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها”