بين الحزن والفرح تمتزج مشاعر الأمهات، في قبول أن ابنتها على وشك الدخول في مرحلة البلوغ.. فمنهم المرحب، والمستاء، وهنا يطرح سؤال نفسه، بما أن الأم هي المسؤول الأكبر في العملية التربوية، فما هو دورها في هذه المرحلة؟

حقيقة إن دور الأم الفعلي لا يبدأ في هذه المرحلة. إنما يسبقها بمراحل، وذلك بفتح باب الصداقة والمصارحة بينهما؛ لتكون الفتاة قريبة من أمها، وتستطيع التواصل معها. فضلاً عن حاجة الأم لذلك، لتستطيع أن تقدم التهيئة المناسبة لابنتها قبل مرحلة البلوغ، لكسر أي حواجز نفسية قد تعيقها عن أن تصبح المرجع الأول لها لتقدم لها ما تحتاجه من معلومات بشكل ميسر يناسب عمرها. ولتصحح لها ما اختلط من مفاهيم حول هذه المرحلة.

قد تستنكر بعض الأمهات أهمية هذه المرحلة. ويستشهدن بأنفسهن عندما مررن بنفس المرحلة. فلم تكن أغلب أمهاتهن يقدمن لهن مقدمات قبلها. لكن واقع عصر اليوم وما فيه من انفتاح ومشاركة تربوية من كل جانب.. من وسائل الإعلام، والمدرسة والصديقات و.. يستلزم تغيراً في الأسلوب التربوي والتوعوي.

لذا فالأم الواعية لمتطلبات الفتاة في هذا العصر تدرك الحاجة الماسة لتوعية ابنتها بالمعلومات الصحيحة المناسبة؛ حتى لا تبحث الفتاة عن إجابات لتساؤلاتها من أماكن قد تمدها بما يضرها ولا ينفعها. فليس اليوم كالأمس.

ولتبدأ الأم البداية الصحيحة بعد مصاحبتها ابنتها، عليها أن تتحرى الوقت المناسب وغالباً ما يكون في سن العاشرة للفتاة أو عند ملاحظة التغيرات الجسدية لها. وأن تبدأ من منطلق حب الاستطلاع لابنتها واستفسارها عن سبب التغيرات الجسدية, فتنتهز الفرصة بتقديم معلومات ميسرة عن التغيرات الجسمية الطبيعية في هذه المرحلة. ومن المستحسن لو أنها بادرت بسؤال ابنتها عن معرفتها لأي معلومات تجاه ذلك. لتعرف مدى معرفتها وما تمتلكه من حصيلة معلوماتية قد تشكل لها قاعدة غير صحيحة في بنيتها المعرفية التي قد تكون اكتسبتها مِن مَن يكبرنها بسنوات من حولها. وذلك يسهل عليها تقديم المعلومات المناسبة بشكل حوار لطيف متقبل. وليس في شكل محاضرة مطولة قد ينام من يستمع إليها من الملل.

وما يجدر بالأم أن تشير إليه هنا: هو أن تجمع بين التهيئة والاستبشار لابنتها بقرب البلوغ، كونه بوابة لعالم الأنوثة الكاملة. الذي يزيدها جمالاً ونضجاً. مما يجعلها تترقب الأحداث بشوق بالغ كونها ستصبح أقرب لأمها وأكثر شبهاً. خاصة عندما تثير الأم شوق ابنتها باختيار نوع الهدية التي تحب أن تستقبلها في ذلك اليوم؛ ليكون وقع ذلك اليوم كحدث سعيد، لا كارثة طبيعية.

ويمكن للأم أن تروي لابنتها ما حدث معها في نفس المرحلة؛وذلك من باب كسر الجليد بينهما.

ثم تبدأ بالتدرج فيما يتوجب عليها بعد البلوغ، من واجبات دينية كالصلاة والصيام والحجاب وغيرهما، وتوضح أنها قد أصبحت مكلفة ومحاسبة عليهم أكثر من ذي قبل، على الرغم من تعودها على القيام بهم من صغرها.

كما يجب عليها تعليمها ما تحتاجه الأنثى في هذه المرحلة؛ لتكون نظيفة نضرة. ولتتعلم الطهارة وهو مطلب أساسي. ويمكن الاستعانة ببعض الكتيبات التي تقدمها الأم لابنتها كوسيلة تعليمية ذاتية تزيدها علماً وثقةً بنفسها. على أن تكون الكتيبات ميسرة بطريقة تناسب سنها. بالإضافة إلى تعليمها طرق المحافظة على نفسها؛ لحمايتها من الاستغلال في كل مكان. فدائماً الوقاية خير من العلاج.

إن اجتياز هذه المرحلة بسلام له من الأهمية البالغة؛ لأن مرحلة البلوغ هي جسر يربط مرحلة الطفولة بالنضج. فكلما أحكمنا هذا الجسر، كلما كان الوصول للنضج أكثر سلاماً وأمناً وأبعد عن المشكلات النفسية.