الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

تحدثنا في المقال السابق عن محطات التنقية من الذنوب في الدنيا وهي التوبة، والاستغفار، وعمل الحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، واليوم نتحدث حول محطات التنقية من الذنوب في القبر:

محطات التنقية في القبر:

 المحطة الخامسة، صلاة الجنازة:

الموت انقطاع من الخلق إلى الحق، وقد شرعت صلاة الجنازة على الميت طلباً للمغفرة، واستنزالاً للرحمة لهذا الميت بالتوجه إلى الله، والتوسل إليه بأن يكرمه في قبره بمغفرته ورحمته، ويكفر عنه أوزاره، ويعتق رقبته من النار، ويقبل شفاعة المسلمين فيه، وقد روى مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فسمعته يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وكرم نزله ووسع مُدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدل له داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وقه فتنة القبر وعذاب النار ) قال عوف: “فتمنيت أن لو كنت أنا الميت، لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الميت “.‏وعن عائشة – رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له. إلا شفعوا فيه (صحيح مسلم. وعن ابن عباس – رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه” صحيح مسلم ويستحب تكثير المصلين على الجنازة، بحيث يكون فيها عدد كبير يصلون على الجنازة، وتجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر، فالصلاة على الجنازة ليست كغيرها من الصلوات، فهي صلاة لا ركوع فيها ولا سجود ولا تحيات، وإنما هي قراءة الفاتحة والدعاء للميت بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للمسلمين، والتسليم.

المحطة السادسة، فتنه القبر:

فتنة القبر هي مسألة القبر وهو: أن يسأل العبد في قبره {من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد صلى الله عليه وسلم، فيقال له: نم قرير العين نومه العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، وأما الكافر أو المنافق فإنه يقول: ها هاه لا أدري كنت أقول كما يقول الناس} وكل شدائد القبر ظلمته ووحشته وسؤال الملكين يكفر الله بها من خطايا العبد المؤمن، والقبر فيه نعيم وعذاب وهذا العذاب قد يخفف عن صاحبه بتطهيره أو يرفع عنه بما يهدى إليه من أعمال من الأحياء، وهذه هي المحطة التالية.

المحطة السابعة، هدايا الأحياء من الأعمال الصالحة:

إن من رحمة الله عز وجل على عباده أن أبقى باب الانتفاع للعبد حتى بعد موته، سواء كان بسبب مباشر من الميت وظل أثره بعد موته، أو بسبب إهداء الآخرين من الأحياء ثواب أعمال صالحة يفعلونها ثم يهدونها للميت، أما بالنسبة لأعمال الميت التي ينتفع بها حتى بعد موته فقد جاءت بها نصوص كثيرة منها: قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم فهذه الأمور الثلاثة و أمثالها هي من ثمار عمل الإنسان، وبالتالي لا ينقطع عنه أجرها و ثوابها حتى بعد وفاته، فالصدقة الجارية: كأن يبني العبد مسجداً أو يساهم فيه، أو يتصدق بصدقة يظل الناس يستفيدون منها،أو كمن يحفر بئراً أو يزرع شجرة مثمرة أو سوى ذلك، فما دام الناس يستفيدون من هذه الصدقة فالأجر لا ينقطع عن المتصدق حتى لو مات.وكذلك الولد الصالح باعتبار أن الوالدين هما سبب وجوده فصلاته ودعاؤه ينفع الوالدين وهما في القبر، وكذلك لو ورّث هذا الميت علماً يستفيد الناس منه كأن يؤلف كتابا، أو يكتشف اختراعا يعود صالحة للناس فأجره لفاعله حتى ولو بعد موته.والميت ينتفع من الأحياء بالدعاء،والصدقة والحج والعمرة،وهنالك خلاف بين أهل العلم على حكم تلاوة القرآن، قال ابن قدامة: ولا بأس بالقراءة عند القبر وقد روى عن أحمد أنه قال إذا دخلتم المقابر اقرؤوا آيــة الكرسي وثلاث مرات ” قل هو الله أحد ” ثم قل: اللهم إن فضله لأهل المقابر. وروى عنه أنه قال: القراءة عند القبر بدعة وروى ذلك عن هشيم: قال أبو بكر نقل ذلك عن أحمد جماعة ثم رجع رجوعا أبان به عن نفسه فروى جماعة أن أحمد نهى ضريرا أن يقرأ عند القبر وقال: إن القراءة عند القبر بدعة فقال له: محمد بن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة. قال: فأخبرني مبشر عن أبيه عبد الرحمن بن العلاء أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك قال أحمد: فارجع فقل للرجل: يقرأ. وقال الخلال: حدثني أبو علي الحسن بـن الهيثم البزار شيخنا الثقة المأمون، قال: رأيت أحمد بن حنبل يصلي خلف ضرير يقرأ على القبور. وسئل ابن تيمية عن قراءة أهل الميت تصل إليه؟ والتسبيح والتهليل والتكبير إذا أهداه إلى الميت يصل إليه ثوابها أم لا؟ فأجاب: تصل إلى الميت قراءة أهله وتسبيحهم وتكبيرهم وسائر ذكرهم لله تعالى إذا أهدوه إلى الميت وصل إليه. والله أعلم. الفتاوى 24 / 324.

ونلتقي في الحلقة القادمة إن شاء الله مع محطات التنقية يوم القيامة، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.