سمات الربانية في حياة الدعاة

من أھم أھداف التربیة الربانية الصحیحة ھو : إحداث أثر إیجابي دائم في مكونات الإنسان الأربعة) العقل ، والقلب ، والنفس ، والجسد .( ، ینتج عنها تغییر حقیقي في ذاته لیشمل :

العقل المفاھیم والتصورات
القلب إصلاح الإیمان
النفس تزكیتها وترویضھا على لزوم الصدق والإخلاص والتواضع ونكران الذات
الجسد ضبط حركة المرء والتعود على بذل الجھد في سبیل لله عز وجل ، لتكون ثمرة

ھذا التغییر – في ھذه المحاور – تنشئ المسلم الرباني  الصالح المصلح الذي تتأسس عليه الأسرة المسلمة ، فالمجتمع المسلم….. 

و تأمل معي ما قاله الإمام المجدد حسن البنا ، وھو یحكي عن تجربته في الدعوة حتى أیقن بضرورة التوجه نحو التربیةالربانية لتغییرالفرد والأمة على منھج الإسلام ، فیقول :

“طالعت كثیرًا ، وجربت كثیرًا ، وخالطت أوساطًا كثیرة وشھدت حوادث عدة ، فخرجت من ھذه السیاحة القصیرة بعقیدة ثابتة لا تتزلزل ، ھي أن السعادة التي ینشدھا الناس جمیعا إنما تفیضعلیھم من نفوسھم وقلوبھم ، ولا تأتیھم من خارج ھذه القلوب أبدا ، وأن الشقاء الذي یحیط بھم ویھربون منه إنما یصیبھم بھذه النفوس والقلوب كذلك ، وإن القرآن یؤید ھذا المعنى ، ویوضح ﴿.إن الله لَا یغُیَرِّ مَا بقِوَمٍ حَتىَّ یغُیَرِّوا مَا بأِنَفسُھِمْ ﴾

.. اعتقدتُ ھذا ، واعتقدتُ إلى جانبه أنه لیس ھناك نظُم ولا تعالیم تكفل سعادة ھذه النفوس البشریة ، وتھدي الناس إلى الطرق العملیة الواضحة لھذه السعادة كتعالیم الإسلام الحنیف الفطریة الواضحة العملیة ..

لھذا وقفَتُ نفسي منذ نشأت على غایة واحدة ، ھي إرشاد الناس على الإسلام حقیقة وعملًا .. و مناجاة روحیة ، أتحدث بھا في نفسي لنفسي ، وقد أفُضِي بهذه الخواطر إلى كثیر ممن حولي ، وقد تظھر في شكل دعوة فردیة ، أو خطابة وعظیة ، أو درس في المساجد إذا سنحت فرصة التدریس ، أو حثّ لبعض الأصدقاء من العلماء على بذل الھمة ومضاعفة المجھود في إنقاذ الناس وإرشادھم إلى ما في الإسلام من خیر .ثم كانت في مصر وغیرھا من بلدان العالم الإسلامي حوادث عدة ألھبت نفسي ، وأھاجت كوامن الشجن في قلبي ، ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل ، وسلوك طریق التكوین بعد التنبيه، والتأسیس بعد التدریس ” .

و في موضع آخر یقول رحمه الله :

إن الخطب والأقوال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخیص الداء ووصف الدواء ..كل ذلك وحده لا یجُدي نفعاً ، ولا یحُقق غایة ، ولا یصل بالداعین إلى ھدف من الأھداف ؛ ولكن للدعوات وسائل لابد من الأخذ بھا والعمل لھا . والوسائل العاملة للدعوات لا تتغیر ولا تتبدل

ولا تعدو ھذه الأمور الثلاثة :

(1) الإیمان العمیق                 (2) التكوین الدقیق                  (3) العمل المتواصل

ومن الضوابط الحاكمة للعملیة التغير  التربویة ضرورة أن تشمل التربیة الجوانب الأربعة للشخصیة ) العقل ، والقلب ، والنفس ، والجسد .(  فأي إھمال لجانب منھا یؤدي إلى عدم ظھور ثمرة التربیة الربانية الصحیحة فعندما یحصل اھتمام بتحصیل العلم ، دون الاھتمام بزیادة الإیمان ، فستكون النتیجة المتوقعة : شخص كثیر التنظیر ، حافظا للنصوص ، كثیر الحدیث عن القیم والمبادئ ، والمعاني العظیمة ، لكنك قد تجد في المقابل واقعاً یختلف عن الأقوال ، فھو یتحدث عن العدل والمساواة ، بینما لا یتعامل مع الآخرین بھذه القیم ، وبخاصة مع من یرأسھم .. یتحدث عن الزھد في الدنیا وأھمیة العمل للآخرة ، في حین تجده یحرص على جمع المال ، وینفق منھ بحساب شدید ، ویدقق في كل شيء مھما كان صغیرًا .

.. كل ھذا وغیره بسبب عدم الاھتمام بالإیمان بنفس درجة الاھتمام بالعلم ، فالذي یقُرب الطاقة والقوة الروحیة المتولدة من: المسافة بین القول والفعل ، ویتُرجم العلم إلى سلوك ھو ” الإیمان المتقد في القلب”

أما عندما یتم الاھتمام بالإیمان دون العلم فستجد أمامك شخصًا جاھلًا ، یتشدد فیما لا ینبغي التشدد فیه، ویترخص فیما لا ینبغي الترخص فیه .. ستجد شخصًا ضیق الأفُق لا یستطیع أن یتعامل مع فقه الواقع ومستجدات العصر .

وفي حالة الاھتمام بالعلم والإیمان مع عدم الانتباه للنفس ، وإھمال تزكیتھا ، فسیكون النتاج :شخصًا كثیر العبادة ، كثیر المعلومات ، سباَّق لفعل الخیر وبذل الجھد ، لكنه متورم الذات ، یرى نفسه بعدسة مكبرِّة ، ویرى غیره بعكس ذلك ، لأن عبادته وأوراده وبذله – في الغالب – ستغذي إیمانه بنفسه وبقدراته، وأنه أفضل من غیره ، فیتمكن منه   – بمرور الأیام واستمرار الإنجازات و ، فیعُرِّض نفسه لمقت ربه ويجنيمن وراء النجاحات – داء العجُب ، ومن وراءه الغرور والكبر والعیاذ بالله وحبوط عمله .

ومع ضرورة الاھتمام بالتربیة المعرفیة والإیمانیة والنفسیة تأتي كذلك أھمیة التعود على بذل الجھد في سبیل لله ، وفي دعوة الناس إلیه، فلو لم یتحرك المسلم ، ویعُلمّ الناس ما تعلَمّه ، ویأخذ بأیدیھم لتغییر ما بأنفسھم – بإذن لله – فإنه سیصاب بالفتور والخمول والكسل ، ولن یدرك أسرار الكثیر من المعاني التي یتعلمھا ، وقبل ذلك فإن الواجب الشرعي والواقع الألیم الذي تحیاه أمتنا یحُتمِّان عليه فعل ذلك .

وفي المقابل ، فإن الحركة وبذل الجھد في سبیل لله إن لم یكن وراءھا زاد متجدد ، فإن عواقب لك وخيمة ستلحق بصاحبھا ، ویكفیك في بیان ھذه الخطورة قوله صلى الله عليه وسلم ( مثل الذي يعلم الناس الخير و ينسى نفسه مثل الفتیلة ، تضُيء للناس وتحرق نفسھا (.فلابد و أن يتحرك الداعية على تربية نفسه و الأخرين في محاور الربانية الخمسة إحسان العبادة و طلب العلم وتدارسه والتفقه في الدين، و التعليم والدعوة وإرشاد المجتمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و الجهاد في سبيل الله. ليحدث التغير التربوي المشود في عقله و قلبه و جسده

و نستطيع أن نقول أن الإنسان أنه “رباني” أو الشخصية أنها ربانية إذا كان محسن للعبادة وثيق الصلة بالله، عالما بدينه وكتابه، و طلب العلم وتدارسه والتفقه معلما له بتعليم الناس و الدعوة و ارشاد مجتمعه أمرا بالمعروف و ناهيا عن المنكر مجاهدا في سبيل الله بنفسه و علمه و وقته و ماله و جهده و كل ما تتطلبه دعوته. وفي القرآن الكريم: ﴿وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ (آل عمران:79).

سمات الربانية في حياة الدعاة

  1. 1-       رباني  الغاية والوجهة:

فأما ربانية الغاية والوجهة، فنعني بها: أن الداعية يجعل غايته الأخيرة وهدفه البعيد، هو حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذه هي غاية الإسلام، وبالتالي هي غاية الإنسان، ووجهته ، ومنتهى أمله، وسعيه، وكدحه في الحياة: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ (الانشقاق:6)، ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾ (النجم:42).

ولا جدال في أن للإسلام غايات وأهدافا أخرى إنسانية واجتماعية، ولكن عند التأمل، نجد هذه الأهداف في الحقيقة خادمة للهدف الأكبر، وهو مرضاة الله تعالى، وحسن مثوبته. فهذا هو هدف الأهداف، أو غاية الغايات. في الإسلام تشريع ومعاملات، ولكن المقصود منها هو تنظيم حياة الناس حتى يستريحوا، ويبرأوا من الصراع على المتاع الأدنى، ويفرغوا لمعرفة الله تعالى، وعبادته، والسعي في مراضيه.

وفي الإسلام جهاد وقتال للأعداء، ولكن الغاية هي: ﴿حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه﴾ (الأنفال:39) ، وفي الإسلام حث على المشي في مناكب الأرض، والأكل من طيباتها، ولكن الغاية هي القيام بشكر نعمة الله وأداء حقه: ﴿كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ (سبأ:15) ، وكل ما في الإسلام من تشريع وتوجيه وإرشاد، إنما يقصد إلى إعداد الإنسان ليكون عبدا خالصا لله، لا لأحد سواه. ولهذا كان روح الإسلام وجوهره هو التوحيد.

من ثمرات هذه الربانية في نفس وحياة الدعاة:

ومما لا ريب فيه أن لهذه الربانية ـ ربانية الغاية والوجه ـ فوائد وأثارا جمة في النفس والحياة، يجني الإنسان ثمارها في هذه الدنيا، فضلا عن ثمراتها في الآخرة. وهي ثمار في غاية الأهمية.

أولا- معرفة غاية الوجود الإنساني:

أن يعرف الإنسان لوجوده غاية، ويعرف لمسيرته وجهة. ويعرف لحياته رسالة، وبهذا يحس أن لحياته قيمة ومعنى، ولعيشه طعما ومذاقا، وأنه ليس ذرة تافهة تائهة في الفضاء، ولا مخلوقا سائبا يخبط خبط عشواء في ليلة ظلماء، كالذين جحدوا الله أو شكوا فيه، فلم يعرفوا: لماذا وجدوا؟ ولماذا يعيشون؟ ولماذا يموتون؟ كلا، إنه لا يعيش في عماية، ولا يمشي إلى غير غاية، بل يسير على هدى من ربه، وبينة من أمره، واستبانة لمصيره، بعد أن عرف الله وأقر له بالوحدانية.

ثانيا- الاهتداء إلى الفطرة:

ومن ثمرات هذه الربانية وفوائدها، أن يهتدي الإنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها، والتي تطلب الإيمان بالله تعالى، ولا يعوضها شيء غيره، يقول تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ (الروم:30).

واهتداء الإنسان إلى فطرته ليس كسبا رخيصا، بل هو كسب كبير، وغنى عظيم، فيه يعيش المرء في سلام ووئام مع نفسه، ومع فطرة الوجود الكبير من حوله، فالكون كله رباني الوجهة، يسبح بحمد الله: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ (الإسراء:44) ، والحقيقة أن في فطرة الإنسان فراغا لا يملؤه علم، ولا ثقافة ولا فلسفة، إنما يملؤه الإيمان بالله جل وعلا، وستظل الفطرة الإنسانية تحس بالتوتر، والجوع والظمأ، حتى تجد الله، وتؤمن به، وتتوجه إليه.

ثالثا- سلامة النفس من التمزق والصراع:

ومن ثمرات هذه الربانية ـ ربانية الغاية والوجهة ـ سلامة النفس البشرية من التمزق والصراع الداخلي، والتوزع والانقسام بين مختلف الغايات، وشتى الاتجاهات. لقد اختصر الإسلام غايات الإنسان في غاية واحدة هي إرضاء الله تعالى، وركز همومه في هم واحد هو العمل على ما يرضيه سبحانه، ولا يريح النفس الإنسانية شيء كما يريحها وحدة غايتها، ووجهتها في الحياة، فتعرف من أين تبدأ، وإلى أين تسير، ومع من تسير.

ولا يشقي الإنسان شيء مثل تناقض غاياته، وتباين اتجاهاته، وتضارب نزعاته، فهو حينا يشرق، وحينا يغرب، وتارة يتجه إلى اليمين، وطورا يتجه إلى اليسار، ومرة يرضى زيدا فيغضب عمرو، وأخرى يرضي عمرا فيغضب زيد، وهو في كلا الحالين حائر بين رضى هذا وغضب ذاك.

إن عقيدة التوحيد قد منحت المسلم يقينا بأن لا رب إلا الله يخاف ويرجى، ولا إله إلا الله، يجتنب سخطه، ويلتمس رضاه. وبهذا أخرج المسلم كل الأرباب الزائفة من حياته، وحطم كل الأصنام المادية والمعنوية من قلبه، ورضي بالله وحده ربا، عليه يتوكل، وإليه ينيب، وفي فضله يطمع، ومن قوته يستمد، وله يتودد، وإليه يحتكم، وبه يعتصم: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران:101).

رابعا- التحرر من العبودية للأنانية والشهوات:

ومن ثمرات هذه الربانية: أنها ـ حين تستقر في أعماق النفس ـ تحرر الإنسان من العبودية لأنانيته، وشهوات نفسه، ولذات حسه، ومن الخضوع  والاستسلام لمطالبه المادية، ورغباته الشخصية، وذلك أن الإنسان “الرباني” يقفه إيمانه بالله وباليوم الآخر موقف الموازنة بين رغبات نفسه، ومتطلبات دينه، بين ما تدفعه إليه شهواته، وما يأمره به ربه، بين ما يمليه عليه الواجب، بين متعة اليوم، وحساب الغد، أو بين لذة عاجلة في دنياه، وحساب عسير ينتظره في أخراه.

وهذه الموازنة والمساءلة جديرة أن تخلع عنه نير العبودية للهوى والشهوات، وأن ترتفع به إلى أفق أعلى من الأنانية والبهيمية، أفق الإنسانية المتحررة التي تتصرف بوعيها وإرادتها، لا بوحي بطنها وفرجها وغريزتها الحيوانية.

و قد  أكد لخص  الإمام الشهيد حسن البنا على أن الربانية من أخص خصائص المنهج و الدعوة فقال (( أما أنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعا أن يتعرف الناس إلى ربهم ، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسموا بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها)) فالربانية هى محور أهدافنا.

 و قد جعل أو شعار للدعوة ” الله غايتنا” (فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم (دعوتنا فى طور جديد ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:21)وهذا في الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشكلات الإنسانية التي أوصدها الجمود والمادية في وجوه البشر جميعاً فلم يستطيعوا إلى حلها سبيلاً ، وبغير هذا المفتاح فلا إصلاح

 و وضع الإمام مفتاح الدعاة كيف تكون ربانية الغاية و الوجهة فيقول الإمام الشهيد حسن البنا  (( إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة علي هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول علي حكمها وأنهم ساروا إلى غايتهم في حدود وسيلتهم فوصلوا إلى درجة من النجاح يطمئنون إليها ويحمدون الله عليها)) رسالة المؤتمر الخامس

  • رباني  المصدر  والمنهج:

ونعني به أن المنهج الذي يتبعه الداعي و يسير عليه للوصول إلى غاياته وأهدافه، منهج رباني خالص، لأن مصدره وحي الله تعالى إلى خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم. الداعي إلى هذا المنهج و هذا الصراط، المبين للناس ما اشتبه عليهم من أمره .لم يأت هذا المنهج نتيجة لإرادة فرد، أو إرادة أسرة، أو إرادة طبقة، أو إرادة حزب، أو إرادة شعب، وإنما جاء نتيجة لإرادة الله، الذي أراد به الهدى والنور، والبيان والبشرى، والشفاء والرحمة لعباده. كما قال تعالى يخاطبهم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينً﴾ (النساء:174)، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ (يونس:57) .

  • عقيدتة ربانية:

عقيدته اسلامية مستمدة من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، من القرآن الكريم الذي أرسى دعائمها، ووضح معالمها، ومن صحيح السنة المبينة للقرآن.

  • عباداته ربانية:

و نعني الشعائر التي يتعبد بها إلى الله تعالى ـ عبادات ربانية، فالوحي الإلهي هو الذي رسم صورها، وحدد أشكالها، وأركانها وشروطها، وعين زمانها فيما يشترط فيه الزمان، ومكانها فيما يشترط فيه المكان، ولم يقبل من أحد من الناس ـ مهما كان مجتهدا في الدين، ومهما علا كعبة في العلم والتقوى ـ أن يبتكر صورا، وهيئات من عنده للتقرب إلى الله تعالى، فإن هذا افتئات على صاحب الحق الأوحد في ذلك، وهو الله تعالى صاحب الخلق والأمر.

و هو بذلك يحقق الشرطين الأساسيين

الأول: ألا يعبد إلا الله. فلا عبادة لأحد سواه، ولا لشيء سواه، كائنا ما كان، في الأرض أو في السماء، وهذا ما تقتضيه ربانية الغاية والوجهة.

والثاني: ألا يعبد الله إلا بما شرعه. وما شرعه إنما يعرف بواسطة رسله المبلغين عنه، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نسخ شرعه كل شرع قبله، والذي كتب الله له الخلود، وتكفل بحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وما عدا ذلك فهو أهواء وبدع مرفوضة، وإن دفع إليها حسن النية، وشدة الرغبة في زيادة التقرب إلى الله جل شأنه. ولكن النية الصالحة وحدها لا تعطي العمل صفة القبول ما لم تكن صورته مشروعة بالنص الثابت.

فالعمل المقبول له ركنان: أن يكون خالصا لله، وأن يكون على سنة رسول الله.

  • أخلاقه ربانية:

يتسم بالأخلاق الربانية الإسلامية التي وضع أصولها الوحي، وحدد أساسياتها، و بينتها السنة في معالم شخصية النبي صلى الله عليه و سلم المتكاملة من قول أو فعل أو اقرار في كافة شئون الحياة بصورة متكاملة متماسكة متميزة في مخبرها ومظهرها،

فنجد الداعية يتسم بالمعالم الأساسية و الرئيسية لأدب المسلم، وخلق المسلم، من الإحسان بالوالدين، وخاصة إذا بلغا الكبر أو أحدهما، والإحسان بذوي القربى، ورعاية اليتيم، وإكرام الجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب الجنب، وابن السبيل، والخدم، والعناية بالفقراء والمساكين، وتحرير الرقاب، والصدق في القول، والإخلاص في العمل، وغض الأبصار وحفظ الفروج..

والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتواصي بالمرحمة، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بين الناس بالعدل، والوفاء بالعهد وترك المنكرات، واجتناب الموبقات من الشرك، والسحر، والقتل، والزنى، والسكر، والربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات المؤمنات، والتولي يوم الزحف، وغيرها من كبائر الإثم وفواحشه، إلى غير ذلك من الأخلاق الإيجابية والسلبية، الفردية والاجتماعية.

  • تشريعاته ربانية:

أي يضبط الداعية حياته الفردية والأسرية، والاجتماعية  بالتشريعات الربانية و يلتزم ما أمر به الله في كتابه أو في سنة نبيه فيأتمر بأمره و ينتهي بنهيه ، ويحلل حلاله ويحرم حرامه، و يقضي تكاليف ويلزم شرعه،

  • رباني  المهمة رهبان بالليل فرسان بالنهار

يقول الإمام الشهيد حسن البنا مهمة الإخوان المسلمون ((عبادة ربكم و الجهاد في سبيل التمكين لدينكم و إعزاز شريعتكم هي مهمتكم في الحياة , فإن أديتموها حق الأداء فانتم الفائزون , و إن أديتم بعضها أو أهملتموها جميعا فإليكم أسوق قول الله تبارك و تعالى ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ , فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ (المؤمنون:115-116)

لهذا المعنى جاء أوصاف أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وهم صفوة الله من خلقه و السلف الصالح من عباده ( رهبان بالليل فرسان بالنهار ) ترى أحدهم في ليله ماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و يقول ( يا دنيا غري غيري ) فإذا انفلق الصباح و دوى النفير يدعو المجاهدين , رايته رئبالا على صهوة جواده , يزأر الزأرة فتدوي لها جنبات الميدان.

بالله عليك ما هذا التناسق العجيب و التزاوج بين الغريب و المزيج الفريد بين عمل الدنيا و مهامها و شؤون الآخرة و روحانيتها ؟ و لكنه الإسلام الذي جمع من كل شيء أحسنه). رسالة دعوتنا

  • رباني  العدة و الزاد  الإيمان و الجهاد و المناجاة عـدتنــا

و إن عدة الرباني و زاده أو ضحها الإمام حسن البنا فقال

فالإيمان أول عدتنا .  “هي عدة سلفنا من قبل , والسلاح الذي غزا به زعيمنا وقدوتنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته معه العالم , مع قلة العدد وقلة المورد وعظيم الجهد, هو السلاح الذي سنحمله لنغزو به العالم من جديد . لقد آمنوا أعمق الإيمان وأقواه وأقدسه وأخلده :

بالله ونصره وتأييده ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ﴾ (آل عمران:160) .

وبالقائد وصدقه وإمامته ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب:21).

وبالمنهاج ومزيته وصلاحيته : ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ , يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ﴾ (المائدة:15-16)

وبالإخاء وحقوقه وقدسيته ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات:10) .

وبالجزاء وجلاله وعظمته وجزالته  ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾)التوبة:120 (

وبأنفسهم : فهم الجماعة التي وقع عليها اختيار القدر لإنقاذ العالمين , وكتب لهم الفضل بذلك ,فكانوا خير أمة أخرجت للناس.

لقد سمعوا المنادي ينادي للإيمان فآمنوا , ونحن نرجو أن يحبب الله إلينا هذا الإيمان , ويزينه في قلوبنا كما حببه إليهم وزينه من قبل في قلوبهم …فالإيمان أول عدتنا (الإخوان تحت راية القرآن) .

والجهاد من عدتنا كذلك (ولقد علموا أصدق العلم وأوثقه أن , أن دعوتهم هذه لا تنتصر إلا بالجهاد , والتضحية والبذل وتقديم النفس والمال , فقدموا النفوس وبذلوا الأرواح ,وجاهدوا في الله حق جهاده , وسمعوا هاتف الرحمن يهتف بهم ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾ (التوبة:24) . فأصاخوا للنذير , وخرجوا عن كل شيء , طيبة بذلك نفوسهم , راضية قلوبهم , مستبشرين ببيعهم الذي بايعوا الله به

ولست أبالي حين اقتل مسلما عن أي جنب كان في الله مصرعي

كذلك كانوا : صدق جهاد , وعظيم تضحية , وكبير بذل , وكذلك نحاول أن نكون … فالجهاد من عدتنا كذلك .ونحن بعد هذا كله واثقون بنصر الله , مطمئنون إليه :

﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ , الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ (الحج:40-41) . (رسالة الإخوان المسلمون تحت راية القرءان).

والمناجاة من عدتنا

و فى رسالة المناجاة  يركز الإمام الشهيد حسن البنا على صلة الأخ بربه و الخلوة و اثرها فى تربية النفوس ف فيقول (يا أخي: لعل أطيب أوقات المناجاة أن تخلو بربك والناس نيام والخليون هجع ، وقد سكن الكون كله وأرخى الليل سدوله وغابت نجومه ، فتستحضر قلبك وتتذكر ربك وتتمثل ضعفك وعظمة مولاك ، فتأنس بحضرته ويطمئن قلبك بذكره وتفرح بفضله ورحمته ، وتبكى من خشيته وتشعر بمراقبته ، وتلح في الدعاء وتجتهد في الاستغفار ، وتفضي بحوائجك لمن لا يعجزه شيء ، ولا يشغله شيء عن شيء ، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، وتسأله لدنياك وآخرتك وجهادك ودعوتك وآمالك وأمانيك ووطنك وعشيرتك ونفسك وإخوتك ، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

ولهذا يا أخي وردت الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة في فضل هذه الساعات وتزكية تلك الأوقات وندب الصالحين من العباد إلى أن يغتنموا منها ثواب الطاعات ، ولهذا يا أخي حرص السلف الصالحون على ألا يفوتهم هذا الفضل العظيم فهم في هذه الأوقات تائبون عابدون حامدون ذاكرون راكعون ساجدون يبتغون فضلا من الله ورضوانا ويزدادون يقينا وإيمانا ويسألون الله من فضله وهو أكرم مسئول وأفضل مأمول. (رسالة المناجاة)