مفهوم النصر و مفهوم الغلبة:

علينا أن تفرق بين القهر والغلبة وبين النصر؛ فهما مفهومان مختلفان؛ فربما وقع القهر والبطش على العاملين للإسلام، ولنسل أنفسنا:

هل كانت نتيجة هذا البطش والقهر تراجعا في المبادئ والقيم الإسلامية التي يحملونها؟

أم زادهم إيمانا وتسليما لله، وتمسكا بمبادئ الإسلام، وعزما قويا على العمل من أجل التمكين له؟!!

إذا كانت نتيجة البطش هي الإيمان والتمسك والعمل؛ فالمقهور إذن هو المنتصر، والقاهر هو المهزوم!..

لقد عبر القرآن الكريم عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم وهو مهاجر من مكة مطارد من قبل المشركين {إلا تنصروه فقد نصره الله}، نعم نصره الله حيث لم يتنازل عن مبادئه، لقد نجح في نقلها لبيئة صالحة تستقبلها وتنمو فيها، إذن هو نصر على الرغم من كونه مطارد.

ولكي يتضح الكلام بصورة أوضح لنراجع سورة “البروج”، وموقف أصحاب الأخدود فيها، ولنسل أنفسنا: مَن المنتصر؟!! هل هو المستبد القاهر الذي خدّ الأخاديد، وأضرم النيران، وألقى فيها قهرا أصحاب الإيمان؟! أم هم المؤمنون الذين ثبتوا على إيمانهم، وبرهنوا على صحته، ودفعوا ضريبة الإيمان بالله؟! لقد بقي ذكرهم إلى يوم نلقى الله تعالى، وتتعلم الأجيال تلو الأجيال منهم مبدأ الثبات والتضحية، لقد بقي مبدؤهم، وتوارثه أهل الإيمان، لقد انتصروا هم بانتصار المبدأ، وانهزم المستبد الذي قهرهم، ولله در من قال:

ضعْ في يدي القيدَ أَلْهِبْ أضلُعي *** بالسوطِ ضعْ عُنقي على السكينِ
لن تستطيعَ حصار فكريَ ساعةً *** ولا نزعَ إيماني ونورَ يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدَي *** ربي وربي ناصري ومعيني

فلننظر للأحداث بعمق؛ فسوف نرى الأمور تسير لصالح المسلمين على الرغم من مظاهر القهر التي تراها وتألُّب الدنيا عليهم!!.

ولتقريب المعنى من الذهن، إذا رأى الناس عملاقا ميتا هل يبالي به من يهابه؟!! إنهم سوف يضحكون عليه وربما لعب فوقه صبيانهم، والتقط الكبار بجواره صورا تذكارية!! ولكن ماذا لو بدأ هذا العملاق يفيق، وهو ما زال مطروحا أرضا؟ سوف يبدأ القلق يتسلل للخائفين منه، وتبدأ صافرات الإنذار تدوي والحشود تتجمع له.. وماذا لو بدأ يقوم ويستيقظ؟ إن الجيوش المجيشة سوف تبدأ في محاولات شله، وإفقاده السيطرة على نفسه وقدراته، وإعادته إلى حالة الموات مرة أخرى.

هذا هو حال الجسد الإسلامي العملاق، لقد بدأ المارد يستيقظ؛ فبدأت الأمم تتكالب، ويشتد الضرب على هذا الجسد ومحاولات تمزيقه وتشتيته؛ فما ترى يا حبيب من مظاهر التألُّب والقهر والبطش إنما هو لشعور أعداء الإسلام بأن المارد بدأ يصحو.. ولكن هيهات يا حبيب ما يريدون؛ فالضرب على جسد العملاق يزيده قوة وصلابة، وأقول:

ضرَبَ العدوُّ على يدي *** فاشتدَّ من ضَربِه عودي.

فأريدك يا حبيب ألا يتسلل اليأس إلى قلبك؛ فما تراه إن كان ظاهره العذاب فباطنه فيه الرحمة؛ فلتأملوا {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (محمد: 35).