– مقاصد ومنافع الجلسات التربوية

حلق الذكر لها مقاصد ومصالح تترتب عنها، وتطلب فيها، وتطلب لها إن لم تكن فيها أو ضعفت فيها. وقد أثبت القرآن لها ذلك في قوله سبحانه: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} (الذاريات: 55)، أي أن التذكير نفعه مؤكد للمؤمنين المتذاكرين، وورد هذا الإثبات أيضا في قوله تعالى في سورة عبس: {لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى}. ولا يعكر على هذا الأمر قوله تعالى:{فذكر إن نفعت الذكرى} (الأعلى: 78)، فإن المعنى كما قال ابن كثير:” أي ذكِّرْ حيث تنفع التذكرة، ومن ههنا يؤخذ الأدب في نشر العلم، فلا يضعه عند غير أهله”. وهو إشارة إلى أن الانتفاع بالتذكير له شروط، وستأتي إن شاء الله تعالى.

والمنافع والفوائد التي ترتجى وتطلب من المجالس التربوية أنواع:

1- منافع نفسية: تتمثل في تقوية النفس البشرية من خلال زيادة إيمانها بربها، واطمئنانها به، وسكينتها من الوساوس والخواطر الموترة. وقد ذكرت هذه المنافع النفسية في قوله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد 28)، وفصلها رسوله الكريم في قوله صلى الله عليه وسلم:”لا يقعد قوم يذكرون الله إلا: حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده” رواه مسلم.

ولا يخفى على عاقل أن انشراح الصدر والبعد عن القلق والتوتر، أمر مطلوب للصحة النفسية للفرد والمجتمع، وتحسن هذه الصحة النفسية يساهم في تحسين الأعمال والعلاقات، وخفض المشاكل والجرائم، وموضوع الصحة النفسية نعرفه نحن أهل هذا العصر أكثر من العصور السالفة.

2- منافع اجتماعية: تتمثل في تقوية النسيج الاجتماعي بالتضامن والتراحم والتعاضد، فالمجلس التربوي يُكَوِّن لبنةً قويةً في بناء المجتمع ينطبق عليها الحديث الشريف: “المؤمن للمؤمن كالبينان المرصوص يشد بعضه بعضا- وشبك بين أصابعه-” متفق عليه ، وحديث:” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” متفق عليه وفي رواية البخاري: ثم شبك بين أصابعه. وهذه أبرز معالم الرحمة التي ذكرها حديث الجوائز الأربع لحلق الذكر.

3- منافع معرفية: فهي مجالس غرضها الأساس التفقه في الدين، وتذكر القيم الصحيحة، وتدارس الأفكار النافعة في الحياة الخاصة والعامة، وكيفية تمثُّلِ ذلك على أرض الواقع. وهذه المنافع المعرفية بيَّنها الحديث السابق “ما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم”. إن هذا التدارس منفعة مقصودة، والممارسة بعد المدارسة منفعة مطلوبة من وراء هذه المنفعة. ولقد أنكر الله تعالى على اليهود الذي كان لديهم ثروة علمية نافعة فلم ينتفعوا بها ولم يقيموها فشبههم بالحمار الذي يحمل كتبا نافعا لا يعقل نفعها {مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } (الجمعة:5 ). وكذلك شنَّع القرآن على النصارى الذين لم يقيموا الهدى الرباني الذي أوتوه فحق عليهم العذاب {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به} (المائدة: 14)، {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شي} (الأنعام : 44). ولاشك أن ضرب الأمثال بهؤلاء من أجل أن نعتبر نحن أهل الإسلام.

4- منافع أخروية: وعد الله ورسوله المتجالسين في الله بعدة جوائز أخروية منها:

– الرحمة والمغفرة هم ومن معهم : ففي الحديث الذي يسأل الله تعالى فيه ملائكته عن غرض المتذاكرين فيه:” فيقول أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم” رواه البخاري.

– الذكر عند الله تعالى، ومن ذَكَره الله رضيَ عنه : {فاذكروني أذكركم}(البقرة:152)، “وذكرهم الله فيمن عنده” رواه مسلم، بل يُبَاهي الله تعالى بالجالسين ملائكته، فعن معاوية رضي الله عنه:” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنَّ به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبرائيل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة” رواه مسلم.

– حضور الملائكة، وهذا علامة على خيرية هذا المجلس التربوي (وحفتهم الملائكة) رواه مسلم. فالملائكة لا تغشى مجالس ليس فيها خير وهدى.

– منابر من نور في الجنة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ، يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله جلهم لنا نعرفهم؟ قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه” رواه الطبراني بإسناد حسن.

وهذه المنافع الأخروية لها مقصد هو تثبيت المنافع الأخرى لمجالس الذكر، والحض على طلبها، والعناية بها، لأن هذه المنافع والجوائز الأخروية مرتبطة بتحصيل المنافع الأولى، ويتفاوت حظ الناس في الأخرى بقدر تفاوت حظهم في الأولى.