المؤمن يكون له من الله واعظ، ويرجع إلى الله في كل شدة؛ فإن البلاء لا ينزل إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )الروم آيه٤١، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم)، ولما سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت”أنهلك وفينا الصالحون؟” قال: نعم، إذا كثر الخبث“.

وخرج عمر -رضي الله عنه- إلى الشام حتى إذا كان بسرغا -اسم مكان- لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الطاعون قد وقع بأرض الشام، فاستشار عمر أصحابه، ثم استقر رأيه على الرجوع وعدم الدخول حفاظاً على سلامة من معه، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله.

فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً فقال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله ﷺ يقول:  إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه فحمد الله عمر، ثم انصرف، رواه البخاري ومسلم.

ومن هدي الإسلام في التعامل مع الأوبئة:

  1. 1-   (الوقاية) ؛ بحيث يكون المسلم في مأمن من وصول المرض إليه. مثل: النظافة في البدن والثياب والأماكن، فإن “الطهور شطر الإيمان”… فلقد حث الإسلام على الطهارة ومدح أصحابها..
  2. 2-   (العلاج)، فلقد وضع الإسلام أيضا منهجا واضحا للتعامل مع الأمراض، منها:
  3. الحجر الصحي: إن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم قد أرسى مبادئ الحجر الصحي قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه”، وقال أيضًا: ” الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف”. وقال صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: ((فرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد))؛ [رواه أحمد]، وقال: ((لا يوردن ممرض على مصح))؛ [رواه أحمد وأبو داود].

ثم إعطاء اللقاحات والقضاء على مسببات المرض والوباء؛ لأن ذلك من جملة الأسباب التي أمر بها العبد لمدافعة المرض، وكذلك نشر الوعي الصحي المكثف ببيان مسببات المرض، وكيفية تجنبه، وأهم أعراضه لمداواته،

  • التداوي: فقد حث الإسلام على الأخذ بالأسباب الطبية والعلاجية؛ فجاء الأمر النبوي واضحا بالتداوي من الأمراض في قوله –صلى الله عليه وسلم-: “تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلاّ وضع له دواء غير داء واحد الهرم”، وقال –صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: ” إن الله لم يخلق داءً إلاّ خلق له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلاّ السام، قالوا: يا رسول الله، وما السام؟ قال: الموت”، وهذا الحديث يعطي أملا للمرضى بأن لكل مرض علاجا ودواء.
  • 3-  (الدعاء): فلا ينبغي التغافل عن الأدعية المحصنة من الأمراض والوباء، ولقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم برفع الوباء عن المدينة المنورة، كما أن التحصن بالرقى والأدعية والأذكار الشرعية من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان صلى الله عليه وآله سلم يكثر من الاستعاذة بالله من (مِنْ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ) رواه أبو داود.

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ:(مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ) رواه أبو داود والترمذي وصححه.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ  مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ: (أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ) رواه مسلم.

 وفي النهاية ينبغي علينا أن نعلم أن كل شيء بقدر الله وأن قدر الله نافذ، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأنه لا يغني حذر من قدر، وأن كل الإجراءات الاحتياطية إذا اتخذت فإن الله إذا أراد شيئاً سيكون، ولكن هذا يمنع من اتخاذ الإجراءات الاحتياطية، ثم نتوكل على الله، ونلجأ إليه، وندعوه، فنجمع بين اتخاذ الأسباب الدينية والدنيوية، ثم الاطمئنان إلى قدر الله الكريم الرحيم وهذا هو اليقين والتوكل الحقيقي.