من أجلك يا أبي

حققت المراد بفضل رب العباد، ودعوات السحر من قلبك المشفق الرقيق يا أبي، كنت أشعر بدعواتك معي في كل خطواتي، في البيت، وفي الشارع، وفي مدرستي، ومع صديقاتي، وفي وحدتي، وأثناء مذاكرتي، كنت دائماً أشعر أن الله تعالي ييسر لي أموري بفضل دعواتك، وأن الله تعالي يعينني ويرعاني من أجلك.

كنت كلما شعرت بالحزن لفراقك، وأرقني الشوق للقائك، كنت أقاوم ذلك الشعور، وأسمع كأن هاتفا داخلي يقول لي: كوني قوية، ولا تخيبي أمل أبيك؛ فهو لم يذهب في نزهة، ولكنه في سبيل الله. وتتراءي لي صورتك، وأتذكرك وأنت تضمني إلي صدرك الحنون، وتربت علي شعري برفق، ثم تجلس معي وتحدثني وتضاحكني، وكأني أسمع ضحكاتك تنير أرجاء نفسي، وتبدد السكون من حولي، فتنجلي أحزاني، ويدب النشاط في أركاني، وأنطلق إلي المذاكرة من جديد.

لقد عشت أياماً صعبة في غيابك، وعانيت كثيراً غربة مؤلمة لبعادك، ولم يخففها عني إلا هذا الشعور الذي ينبعث من أعماقي، أنك علي الحق، وأن الله لن يخذلك، وأنك ستخرج من هذه المحنة ناصع الجبين، مرفوع الرأس، وكان هذا الأمل يحييني كلما تملكني الخوف عليك، واستبد بي القلق لأجلك، فيزداد رجائي في الله تعالي أن نجتمع قريباً، ويلتئم شملنا، وتعود السعادة إلي بيتنا، ونواصل معاً طريقنا إلي الله.

لقد كانت أمي وإخوتي عوناً لي، نعم العون، ولكن غيابك لم يعوضه شيئ، ومكانك شاغر في قلبي وحياتي، لم يعوضه إلا أن أعيش مع ذكراياتك، وأتذكر نصائحك الغالية، وأستحضر تلك المعاني الراقية التي كنت تغرسها في قلوبنا وعقولنا، لقد أصبحت اليوم أدرك معني هجرة أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم، ومعني التضحية بالأهل والمال من أجل العقيدة، وأصبحت أدرك معني أن يكون لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دوراً مهماً في الهجرة التي غيرت مجري التاريخ، وأصبحت أكثر إدراكاً لمعني وقوف السيدة خديجة رضي الله عنها خلف زوجها صلي الله عليه وسلم تعينه وتؤيده، وتخفف عنه، وإني لأجدني يا أبي الحبيب مدفوعة كي أقول لك ما قالته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها لرسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم: والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين علي نوائب الحق؛ فوالله لا يخزيك الله أبداً.

أهديك يا أبي الحبيب هذا النجاح الباهر الذي طالما تمنيته وحلمت به، وقد تحقق في هذه الظروف القاسية، والمعاناة الشديدة، وقد زاد من قسوتها أنك لم تكن معي عندما تلقيت ذلك الخبر لتشاركني هذه اللحظة السعيدة، وتحتفل معي بهذه المناسبة الجميلة كما عودتنى دائماً، ولكني أعلم أنك ستحتفل بها علي طريقتك، وأعلم أن ذلك يملأ قلبك بالسعادة، ويوسع عليك ما تعانيه من ضيق، وحسبي ذلك من هذا النجاح، وقد عشت طوال العام أنتظر هذه اللحظة لما أستشعره من الفرح الذي ينسكب في قلبك عندما يزف إليك الخبر، وما أستشعره من أهمية النجاح والتفوق في خدمة ديني ووطني، وما أستشعره من وقع هذه الأخبار علي قلوب الظالمين.

ولا يفوتني يا أبي الحبيب أن أهدي هذا النجاح لأمي وإخوتي فهم شركائي في صنعه، كما لا يفوتني أن أهديه لكل أصحابك ورفاق دربك من الأحرار الصامدين الذين علمونا معني التضحية، وحببوا إلينا الكفاح. وفتحوا بذلك لنا الآفاق للنجاح والتفوق. وأسأل الله تعالي أن يوفقني فيما هو آت وأن أجعل هذه النجاح في خدمة ديني ووطني ودعوتي ومبادئي وأخلاقي وأن أنفع به نفسي وأسرتي وأهلي والناس أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وإلي لقاء قريب بإذن الله.