من لي بقائد

نجلاء جبروني

نعيشُ مرحلةً مِن الزمن نحتاجُ فيها إلى توحيد الجهود المُبعثَرة، وجَمْع الهِمَم المُشتَّتة، فالكل يجتمع تحت ألوية، ونحن لدينا كفاءاتٌ متعددة، لكن لتوجيهِ تلك الجهود، والاستفادةِ بهذه الكفاءات، وتنظيمِها لتأتي بالثمرِ – لا بد من إعدادِ الشخصية القائدة.

وكلُّنا يلعب هذا الدور في مجالاتنا؛ في البيت، والمدرسة، والعمل، والدعوة، وكلُّ مجتمعٍ من البشر يحتاج لقائدٍ.

ولكن كيف تكون قائدًا فعالًا ومؤثرًا؟

القيادة – في الإدارة الحديثة – هي: القدرةُ على التأثير في الآخرين، وتنسيق جهودهم لبلوغ الغايات المنشودة، وتحقيق الأهداف المشتركة.

ولكي يستطيع القائدُ إنجازَ هذه المهام، يجب أن يكون لديه القدرةُ على تحقيق التواصل مع أفراد المجموعة أو الكِيان الذي يتولَّى قيادته، وعلى تحقيقِ الوحدة والترابط فيما بينهم، ولذلك يجب عليك أيها القائد، المدير، المسؤول… لكي تكون ناجحًا أن تكون مهتمًّا بمَن حولك:

• اسأل عنهم، تابِعْ أخبارهم.

• كن متميزًا في بثِّ رُوح الحماسة والمثابَرة في قلوبهم.

• كن مُعينًا لهم على مقاومة مشاعر الفُتور والكسل، وعلى مواجهة الصِّعاب والأحزان.

• لا تترُكْهم تعصِفُ بهم رياحُ الأزمات أو الشبهات، وتطحَنُهم رَحَى الضغوط والمسؤوليات.

• كن مستمعًا جيدًا لهم، تعرَّفْ على مشاكلهم، وساعِدْهم في حلها، فكلما تلاشَتْ هذه المشاكل كانوا أقدرَ على الإنتاج والعطاء.

• ابحَثْ عن نقاطِ القوة لديهم، وقُمْ بتعزيزها، واكتشِفْ نقاط الضعف، وحاوِلْ علاجَها، فهذا الدعمُ النفسي بتقدير جهودهم، والثناءُ على مواهبهم، وتهوينُ نقاط الضعف عندهم، أهمُّ مِن الدعم المادي لهم.

تأسَّ بهذا القائد العظيم، إنه أعظم قائدٍ عرَفَتْه البشرية، إنه محمدٌ صلى الله عليه وسلم، عندما خرج في غزوةٍ له، فلما أفاء الله عليه سأل أصحابه: ((هل تفقِدُون من أحدٍ؟))، قالوا: نعم، فلانًا، وفلانًا، وفلانًا، فيقول: ((لكني أفقِدُ جُلَيْبِيبًا))[1].

وعندما عاد من الحجِّ، وكان معه أكثر من مائةِ ألفِ مسلمٍ، سأل امرأة من الأنصار: ((ما منعَكِ أن تحُجِّي معنا؟))[2].

• تأمَّل في هذه العناية وهذا الاهتمام!

لم تشغَلْه مسؤولياته عن تفقُّد إخوانه والسؤال عنهم، ليس كما نرى في هذه الأيام، القائد الذي يقصرُ اهتمامه على نفسِه، ولا يعبأ بغيره؛ فلا يسأل عن غائب، ولا يهتم لسائلٍ، مُتعلِّلًا بكثرة المشاغل، فأين إذًا مسؤولية القائد؟ أين المودَّة والتراحُم؟ ((مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى))[3].

أيها القائد، عليك أن تُجِيدَ فنَّ التعامل، وكَسْب الآخرين، وتُحسن التواصُل والاهتمام بالمشاعر.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأدخل في الصلاة وأنا أُرِيد إطالتَها، فأسمع بكاءَ الصبي؛ فأتجوَّز في صلاتي، مما أعلَمُ مِن شدة وَجْد أمه من بكائه))[4].

وكان هذا دأَبَه عليه الصلاة والسلام مع الناس جميعًا، حتى مع الأطفال، يُسلِّم عليهم ويُمازحهم، ويُقدرهم ويُداعبهم.

عن أنس رضي الله عنه قال: “كان لي أخٌ يقال له: أبو عُمَير، كان إذا جاءَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا عُمَير، ما فعَل النُّغَير))؛ طائر صغير[5].

ومع اشتغالِ النبي صلى الله عليه وسلم بأمور الجهاد، والدعوة، والعبادة، ورئاسة الدولة، وقيادة الجيوش، هذا بجانب مسؤولياته الاجتماعية والأُسْرية – فإنه كان يهتمُّ بمَن حوله، يُلاطف الأطفال، ويُدخِل السرور عليهم، يسأل الطفل عن طائره، وهو مَن هو صلى الله عليه وسلم في علوِّ منزلته وعِظَم مسؤولياته!

أيها القائد، إن اهتمامك بالآخرين، وتقديرَهم في المناسبات والمواقف التي تستدعي ذلك، لن يُفقِدك شيئًا من هيبتِك، ولن يُعطِّلك عن أعمالك ومشاغلك.

وتذكَّر أنه كم مِن عبقريات رائعة تحطَّمتْ؛ لأنها لم تجِدْ في اللحظة الملائمةِ قائدًا عاقلًا يُوجِّه إمكاناتِها ويهتمُّ بها.

اهتمَّ بالآخرين، واعلَمْ أنك المستفيدُ الأوَّل مِن هذا الاهتمام؛ لأنهم سيكونون سببًا في وُصولك إلى النجاح.

تفقَّد إخوانك، واسأَلْ عنهم؛ قال الله تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ [النمل: 20]، فكان هذا التفقُّد سببًا في فَتْح بلادِ سَبَأٍ ونَشْرِ الإسلام.