نسيان الرماية

م علاء فهمي

لا أدري لماذا يحاصرني حديث : ( من علم الرمي ثم تركه فليس منا ، أو قد عصى ) ، لأن تطبيق هذا الحديث في المجال الدعوي الحركي للعاملين مع الجمهور قد تنال آثاره بعضًا أو كثيرًا منا ..

فقد أنفقت الدعوة الكثير من المال والجهد ، والكثير من الوقت والتخطيط ، على إعداد مؤهلين للحركة في المجالات المختلفة للدعوة ، وأتاحت لهم عشرات الساعات من التدريب ، وورش عمل كثيرة ، ودورات تثقيفية وتأهيلية ، وزجّت بهم في المجال العملي يمارسون ويتعلمون ويتدربون ، ويتحصلون على خبرة كبيرة ، لا تتاح للفرد العادي ..

فكان هناك في المجال السياسي والرياضي والنقابي المهني والعمالي والمجتمعي والاقتصادي الكثير والكثير ، وبرز منهم في الكثير في عضوية المجالس الشعبية المحلية ومجلسي الشعب والشورى ، أو حتى الإعداد للترشح فيها ، وكذلك النقابات المهنية والعمالية ، وكذلك الجمعيات الخيرية ولجان الزكاة ولجان الصلح ، وما يتبعها من مدارس ومستشفيات ، وكذلك النوادي الرياضية والفرق الفنية والمسرحية ، والمواقع الإعلامية الصحفية والالكترونية ، بجانب مدارس الخطابة والدعاة ، وكثير وكثير من المجالات التي ارتادتها الدعوة ، وخرج من خلالها العديد من المبرزين والمتفوقين والمتخصصين ..

وبعدما حدث ما حدث من أحداث بعد 30 يونيو ، تفرّق جمع الكثيرين ، وتوقف عطاؤهم ، أو بالأحرى منعوا من ممارسة نشاطهم ، أو الإدلاء بدلوهم ، بل زج بأكثرهم إلى السجون شهورًا وسنوات ..

وتوقفت عجلة البحث والدراسة عند أغلبهم في المجالات التي برعوا فيها ، فليس ثم أمامهم أرض ليزرعوا أو يستصلحوا فيها ، وليس ثم مجال لممارسة خبراتهم ، ومن ثم فلا معنى – في تصور البعض منهم – لمتابعة الجديد ، أو تحصيل خبرات إضافية !!
فكانت النتيجة الجلوس حتى إشعار آخر ، أو حتى يأتي الفرج ، ليعاودوا البذل إن كان هناك مجال ..

والنتيجة الحتمية لكثرة الجلوس هو التكلس وصعوبة النهوض ، ونسيان المعلومات المحصلة سابقًا ،
والنتيجة الحتمية لعدم التطور هو التراجع ،
وربما تكون الكارثة أنه إذا دارت عجلة الزمان وآذنت بتداول جديد ، أن لا يجد هؤلاء الأكفاء أنفسهم إلا أن كفاءتهم قد عفا عليها الزمن وتعداها ، فقد تغيرت الأرض والقائمون فيها وعليها ، ولم تعد مهاراتهم تناسب الجديد ، ولا كفاءتهم تغطي المتجدد من المطلوبات والمتغير من الاحتياجات ..

وخارج أي إداريات أو علاقات أدعو كل من تمرّس في عمل أو تحصّل على مهارة سابقة ، أن يوظف نفسه في التأهيل لنفس المجال أو مجال مشابه ، إن عدم التوجيه ، وأن يعمل على استجماع ومعرفة الجديد فيه والمتجدد ، ومتابعة نشراته ودوراته ودورياته ومؤتمراته ، وكل جديد في المجال ، وأن يعمل على التواصل مع من بقوا فيه بشتى الوسائل حتى لا ينقطع عن التمرين والتدريب ،

ليكون صالحًا للرمي إذا استدعي له ، ولا يفاجئنا بأنه نسي مهارة الرمي في ميدانه بطول الزمن ، ولا ينتظر أن يكلفه أحد بهذا ، فهي ثغرته التي تركوه عليها ، ومهارته التي دربوه وأعدوه لممارستها ..

المبادرات الفردية والذاتية في هذا المجال مطلوبة ، حيث لن يكون هناك عذر لأحد جلس وترك التدريب فنسيه !!

في أي بلد كنت ، وتحت أي ظروف تعيش ، لا تنتظر تكليفًا ، لا تنتظر رائدًا ،

وابدا بنفسك ومن تعول ..