نعيمة خطاب

• هي في سطور:

زوج المرشد العام الثاني للإخوان المسلمين: المستشار حسن الهضيبي – رحمة الله عليه – السيدة “نعيمة خطاب” من النساء اللواتي تخرَّجن في مدرسة الشهيد “حسن البنا” وكانت تمتاز بنبل المشاعر، ورقة العاطفة، ورهافة الحس، ولا تعرف الخضوع في القول، ولا تقبل الضيم والذل، بل هي شجاعة ثابتة، وشامخة كالجبال، ومجاهدة، قدمت النموذج الطيب في الجد وقوة الإرادة والهمة العالية، وكانت لا تستحي من الحق، وهي من ذوات العقل والدين.
وقد أعطت المثل في حسن التبعُّل والتحبب والعشرة مع زوجها، وكانت تشد من عزم أبنائها عند الأزمات والابتلاءات التي لحقت بأبيهم عدة مرات. إدراكًا منها أن الواجب يحتم عليها أن تجاهد بما في وسعها وطاقتها؛ من أجل دعوة الإسلام، ورفع رايته، ونصرة الحق، حتى يكون الدين كله لله.
• نعيمة خطاب (أم أسامة) القدوة

الابن المستشار محمد المأمون الهضيبي في منزله مع حفيدته

لقد طبعت بيتها بطابع الإسلام، في آدابه، وعاداته، وأزيائه… بصورة قل أن تراها عند الكثير، من كرم وسخاء في سبيل الدعوة، فقد ساهمت مع زوجها في شراء دار المركز العام للإخوان المسلمين، وقد آزرت وشاركت في نجدة فلسطين ونكبتها، كما وافقت وشجعت زوجها بوضع البيت- وما يملكون- رهنًا للدعوة وتحت تصرفها.
وقد ساهمت وشاركت في العناية بأسر المعتقلين والمسجونين من الإخوان المسلمين، وتدعيم الثقة بالله في نفوسهم بأنه مفرج الهموم والكروب، وكانت السجون ملأى بالمظلومين وقتها.
ويحمد لها قدرتها على حفظ أسرار زوجها، في مجال الدعوة وغير ذلك، الذى ظل ارتباطه بالدعوة والإخوان سرية منذ عام 1943م حتى أعلن عن انتخابه مرشدًا عامًا للإخوان المسلمين عام 1951م، وهي متحفظة، ولا تبوح بذلك السر أبدًا.
كما أن زوجها المرحوم “حسن الهضيبي” انتُخب مرشدًا عامًا للإخوان المسلمين في الثلث الأول من عام 1951م، وظل هذا الخبر ستة أشهر سريًا حتى أعلن عنه في 17/10/1951م بعد أن توافد إلى بيته أناس من جميع أنحاء مصر وألحوا عليه بالبقاء مرشدًا، ووافق فأعلن الخبر وقدم استقالته من عمله؛ ليتولى هذا المهمة التي سأل الله أن يعينه عليها، فكانت الزوجة نعم السند، والواحة الغناء، التي يفيء إليها الرجل، فتخفف عنه همومه وأحزانه، بإشراقاتها وحسن أخلاقها ومعاونتها له على البر بدعوته وأهله.
وكان، رحمها الله، تُنزل الناس منازلهم، وتختار الأسلوب الأمثل والمناسب في عرض الدعوة على الناس.
• زوج الهضيبي الصابرة
كانت السيدة “نعيمة خطاب” ملازمة لزوجها على درب الكفاح. صاحبته في تنقله بعمله إلى عدة محافظات، حتى استقر عمله بالقاهرة دون ملل منها أو سأم؛ حبًا، وطاعة لزوجها، ولتوفير الراحة له، وآزرته حين كان أشمخ من الجبال صبرًا، لما اعتقل مع إخوانه في 13/1/1953، وأفرج عنه في مارس، واعتقل ثانية عام 1954 وصدر عليه حكم بالإعدام، وخفف إلى المؤبد، واستمر سيل البلاء، وبعد عام حددت إقامته جبريًّا، وأصيب بالذبحة الصدرية. كل ذلك وهي صابرة محتسبة، تواسيه وتدعو له مخلصة، حتى رفعت عنه الإقامة الجبرية عام 61، ثم أعيد اعتقاله يوم 23/8/1965، وحوكِم لإحياء التنظيم الإخواني، وصدر عليه حكم ثلاث سنوات، رغم أنه تجاوز السبعين من عمره.
وعاشت، رحمها الله، أيامًا قاسية، حُرمت فيها من زوجها وأولادها الذكور، الذين أغلقت عليهم جميعًا زنازين البغي، ولم يبق في البيت إلا الزوجة الوافية والبنات الثلاث.
وقد اقتيدت إلى السجن في بعض مراحل المحنة الطاحنة، دون أن يفت ذلك من عزمها وصبرها على البلاء، كل ذلك ولم تجزع…!! وكان البلاء الأعظم يوم لحق زوجها الحبيب بالرفيق الأعلى في 11/11/1973م، وهي صابرة محتسبة تستمد منه الإصرار والإخلاص لله في حياته وبعد مماته.

• نعيمة خطاب ورباطة الجأش

يالها من امرأة صلبة قوية نجحت باقتدار أكيد في كبح مشاعرها، وثبتت حين تصدت للظلم؛ حبًا في دينها ولوطنها، وكانت بسلوكها دعوة وقدوة يُحتذى بها، فبينما فضيلة المرشد العام في السجن بعد أزمة 1954م جاءتها زوجة أحد الوزراء تطمئنها على لسان زوجها بأن صحة فضيلة المرشد جيدة، وتبلغها بأن جهودًا تُبذل لمنع محاكمته أمام محكمة الثورة وما وراءها من مصير، حينئذٍ جاء رد “أم أسامة” معبرًا عن حبِّها للتضحية، وأن الإسلام والجماعة أصبح هواءً تتنفسه، ثم بادرت ضيفتها، والتي جاءت من أجل مهمة، أدركت “أم أسامة” بذكائها ما تصبو إليه قائلة: أتريدين تذكيري بأن الأحكام تصدر من قِبَل المحكمة، وبأن الحكم المتوقع هو الإعدام؟، اسمعي مشكورة، وبلغي زوجك السيد الوزير أن “حسن الهضيبي” ما تولى قيادة الإخوان المسلمين إلا وهو يعلم أن سلفه العظيم “حسن البنا” قد اغتيل، وأهدر دمه علنًا في شارع رئيسي بالعاصمة، وما رضي الهضيبي بخلافته إلا وهو ينتظر هذا المصير، وقد باع نفسه لله.
ورغم الصراع بين صوت العقل الذي يفرض الإغراء والمكر وبيع النفس للشيطان، ودقات القلب والعاطفة التي تستجيب لهذه الدعة والراحة، إذ بها تقول في شجاعة وقوة بأس ومجاهدة للنفس، سنكون سعداء إذا احتسبنا عميدنا وعائلنا عند الله، وأوفر وأعظم سعادة أن نلحق به إذا همَّ القضاء، ثم التفتت إلى بناتها خالدة وسعاد وعلية “وسألتهنَّ: هذا ما عندي، فماذا عندكنَّ؟ فقلن في نفَسٍ واحد: ليس عندنا إلا ما عندك يا أماه.

وكان ثمن العزة والإباء أن دخلت السجن، واضطهدت، وانفردت في زنزانة السجن بربها تناديه، وهو العلي القدير، وقد وهن العظم لا العزم، وتكالبت الأمراض والشيخوخة على الجسد الضعيف، إلا أنها صبرت واحتسبت الأمر لله.

• نعيمة خطاب.. التجرد والتفاني

يقول الأستاذ “عبد الحكيم عابدين” الداعية والمجاهد الأديب، ومن شعراء الإخوان الأوائل، عن “نعيمة خطاب” زوج المستشار الهضيبي – رحمه الله – هذه السيدة الجليلة التي اختارت ظل التجرد والإخلاص على ضوء الذيوع والشهرة، وارتضت كل مسئولية دعوية بدافع عقيدي مخلص، لاحَظَّ للنفس فيه، وكان شعارها الذي تسير به، ويعجب له من لم يمتزج حب الله بدمه “راحتنا وحياتنا في الدعوة” وكانت تؤثر الدعوة على راحتها الشخصية، فعندما اختيرت لقيادة قسم الأخوات كانت دعوة ناطقة بسلوكها، فضلاً عن حركتها الدؤوب، وجولاتها التي كانت تترفَّع فيها عن الاستعانة بالسيارة المخصصة لزوجها ورعًا، ومن إيثارها للدعوة على راحتها، أنه لما تقرر سفر زوجها إلى الإسكندرية؛ لأداء مهمة وواجب عزاء لضحايا باخرة غارقة من ضباط وجنود الجيش في البحر الأحمر، وكان المقرر سفر الأسرة للاستجمام والاسترواح في نفس اليوم، وتعارض الموعدان فأبت الزوجة أن يقصر الزوج في آداء الواجب وقالت بملء فيها: “راحتنا وحياتنا للدعوة”.
وبعد عمر طويل ومديد وجدت أن مكانتها الاجتماعية في ظل هذا الزوج المرموق تقتضي أن تتعلم الفرنسية؛ لتخاطب بها أهلها، فبذلت جهدها وتعلمتها إرضاءً له.

• نعيمة خطاب والتحبب إلى زوجها
تحكي شقيقة الأستاذ عبد الحكيم عابدين (أمينة) وقد نزلت ضيفة على زوج الهضيبي (أم أسامة) وقد أصيبت بالدهشة والإعجاب من طبيعة السيدة “نعيمة” وحسن تبعُّلِها، وشدة حبها لزوجها، وتفانيها في خدمته، فتقول: قضيت معها ثلاثة أيام فوجدتها تلقاه في الصباح بملابس تبدلها عند عودته في المساء، وقد تغيّرها في الضحى… كل ذلك في وقار يجعلها من أجمل النساء، وعند خروجه من البيت تتأهب لتوديعه، وكذلك استقباله، وكأنهما عروسان في ليلة الزفاف!! كل هذا ولم يكن لها حظ من الذيوع والشهرة، كما كان لغيرها في المكانة الاجتماعية؛ تواضعًا لله – تعالى – وكانت مثالاً للسكينة والوقار والصبر والاحتساب، حتى لقيت ربها راضية مرضية في 9/3/1976م، بعد حياة حافلة بالجهاد والصلابة وقوة العزيمة….
فرحمة الله عليها، وعلى السابقات على الدرب… آمين.